وجهات نظر

المسؤولية القانونية والأدبية (الأخلاقية) للوزير

المسؤولية القانونية والأدبية (الأخلاقية) للوزير

يتدرج الموظفون على مستوى الدولة تدرجاً تصاعدياً، أو هرمياً، بحيث يصبح كل موظف أو كل مجموعة من الموظفين تابعين للموظف أو الموظفين الأعلى منهم درجة، وهؤلاء بدورهم يخضعون لتبعية من هم في درجة أعلى، وهذا ما يعرف بفكرة السلّم الإداري. وترتيباً على ذلك، تخضع كل درجة من درجات السلّم الإداري لرقابة وإشراف ما يعلوها من درجات وهو ما يطلق عليه بالسلطة الرئاسية، ويتربع الوزير على قمة الهرم في وزارته، وهو مسؤول عن ادارة جميع الشؤون المتعلقة بها وفقاً لأحكام المادة (47/1) من الدستور.

ولأن الوزير يملك السلطة، فقد رتب المشرع عليه مسؤولية، فإن أخل بها، تعرض للمسؤولية القانونية، وهي على نوعين: النوع الأول: المسؤولية الجنائية والتي حدد أحكامها قانون (محاكمة الوزراء رقم 35 لسنة 1952) والتي تتمثل بجرائم (الخيانة العظمى واساءة استعمال السلطة والاخلال بواجبات الوظيفية) ويحاكم الوزراء على ما ينسب إليهم من جرائم ناتجة عن تأدية وظائفهم أمام المحاكم النظامية المختصة في العاصمة، وذلك بعد رفع الحصانة عنهم من قبل مجلس النواب وفقاً لأحكام المادتين (55) و(56) من الدستور، أما الجرائم التي يرتكبها الوزير في معرض حياته الخاصة - أي التي لا تتعلق بوظيفته - فتتم محاكمته مباشرةً أمام المرجع القضائي المختص ولا يتطلب الأمر إلى رفع الحصانة عنه من قبل مجلس النواب.

أما النوع الثاني من المسؤولية القانونية فيتمثل بالمسؤولية المدنية فيلزم الوزير بالتعويض - من ماله الخاص - بالتعويض عن الضرر الذي يلحقه بالغير نتيجةً لخطئه أو إهماله، ويشترط في هذا الخطأ أن يكون جسيماً وغير مرتبط بالمرفق الذي يديره، أو تكون تلك الأفعال صادرة بناءً على بواعث شخصية أو أحقاد دفينة يستلزم التعويض عنها.

وقد يرتب على المسؤولية القانونية تحريك المسؤولية السياسية بحق الوزير أو الحكومة من قبل مجلس النواب، فيملك مجلس النواب من خلال أدوات الرقابة البرلمانية طرح الثقة بالوزير أو بالحكومة، فالوزير مسؤول عن إدارة جميع الشؤون المتعلقة بوزارته ومسؤول أمام مجلس النواب عن أعمال وزارته، ويوقع الوزير على قرارات مجلس الوزراء، ورئيس الوزراء والوزراء مسؤولون أمام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة وفقاً لأحكام المواد (47 و48 و51) من الدستور. وتعقد جلسة الثقة بالوزارة أو بأي وزير منها بناءً على طلب موقع من عدد لا يقل عن ربع عدد أعضاء مجلس النواب، وإذا قرر مجلس النواب عدم الثقة بالوزير بالأكثرية المطلقة من مجموع عدد أعضائه وجب عليه اعتزال منصبه وفقاً لأحكام المادتين (53) و (54/3) من الدستور.

أما النوع الآخر من المسؤولية، فيتمثل بالمسؤولية الأدبية أو الأخلاقية (للوزير) وهي التزام معنوي وأخلاقي، تترتب في حال ارتكاب الوزير خطأ سياسي مثل سوء التفاوض أو التعامل مع دول أخرى، أو تقصير في إدارة وزارته، أو فشل السياسة العامة للوزارة (كالتعليم أو الصحة)، أو سوء إدارة أزمة، أو تقصير في أداء الخدمات العامة أو وقوع كارثة طبيعية أو صناعية كشفت عن إهمال إداري (مثل انهيار مبنى نتيجة ضعف الرقابة الحكومية)، سواء كان ذلك عن قصد أو غير قصد، حتى لو لم يشكّل خطأوه جريمة جزائية أو مخالفة قانونية.

وقد تم ترسيخ هذا النوع من المسؤولية في الدول الديمقراطية المتقدمة كإنجلترا واليابان وغيرها، فالاستقالة الأخلاقية شائعة جداً في هذه الدول للحفاظ على سمعة الحكومة. وبهدف ترسيخ مبدأ القدوة، فالوزير شخصية عامة يجب أن يكون مثالاً في تحمل المسؤولية، وحماية للثقة العامة، فعندما يستقيل الوزير عند حدوث خلل، يحافظ ذلك على مصداقية الدولة أمام المواطنين، وهذا النوع من المسؤولية يعزز الرقابة السياسية على أعمال الوزراء، كونها تشجع الوزراء على الحذر والالتزام بأقصى درجات الكفاءة.

والمسؤولية الأدبية للوزير ليست ملزمة قانوناً، لكنها أقوى أحياناً من المسؤولية القانونية لأنها ترتبط بسمعة الوزير والحكومة أمام الشعب. وغالباً ما يترتب عليها الاستقالة حتى لو لم يُثبت الخطأ على الوزير شخصياً.

والأمثلة كثيرة في الدول المتقدمة منها، استقالة وزير النقل الياباني في عام (2005) بعد حادث قطار مروّع، رغم أنّ التحقيقات أثبتت أنّ الخطأ لم يكن بسببه شخصياً، لكن بدافع المسؤولية الأدبية، واستقالة وزيرة الصحة الفرنسية في عام (2017) بعد اتهامات بوجود شبهات في تعاملات مالية سابقة، رغم أنّ القضاء لم يثبت أي جرم، لكنها رأت أنّ بقاءها يضرّ بثقة المواطنين، واستقالة وزير الداخلية البريطانية في عام (2018) بعد “ قضية الوافدين من جزر الكاريبي” حيث تعرّض آلاف المقيمين لمعاملة غير عادلة بسبب سياسات الهجرة. الوزيرة استقالت من باب المسؤولية الأدبية فقط.

والأمثلة العربية قليلة جداً منها، مع كل أسف، في بعض الدول العربية، تبدأ الاستقالة أحياناً بضغط شعبي أو برلماني بعد الكوارث أو الفضائح، ولا تأتي بشكل طوعي، إلا نادراً، فقد قدّم عدد من الوزراء في لبنان استقالاتهم (مثل وزيرة العدل وزيرة الإعلام) بعد كارثة انفجار مرفأ بيروت، باعتبار أن الكارثة كشفت عن فشل إداري شامل.

وفي الأردن، غالباً ما تأخذ الاستقالة الأدبية ثوب الإقالة، وتأتي بأمر ملكي في معظم الحالات، ومنها استقالة وزير المياه والري (أواخر التسعينيات) إثر أزمة تلوث مياه محطة زي، واستقالة وزيري العدل والصحة في عام (2011) إثر السماح لرجل أعمال (سجين) بالسفر للعلاج خارج المملكة، واستقالة وزيري التربية والتعليم والسياحة في عام (2019) إثر غرق طلاب في منطقة البحر الميت، واستقالة وزير الزراعة في عام (2020) إثر أخطاء إدارية في التعامل مع أزمة التصاريح الزراعية خلال جائحة كورونا، واستقالة وزير الصحة في عام (2021) إثر وفاة عدد من المرضى في مستشفى السلط الحكومي بسبب انقطاع الأوكسجين.

تُظهر هذه الحالات أن المسؤولية الأدبية في الأردن غالباً ما تُفعّل بعد كوارث أو أخطاء إدارية جسيمة، وتُعتبر خطوة نادرة مقارنة بالثقافة السياسية السائدة في بعض الدول العربية، وهذه المسؤولية الأدبية ليست قانونية، والهدف منها، حفظ مصداقية الحكومة والوزير أمام الرأي العام، وتعزيز ثقافة المسؤولية بالدولة.