وجهات نظر

الكاميرا تراقبك… لكن الوعي هو من يحميك!

الكاميرا تراقبك… لكن الوعي هو من يحميك!

"ابتسم… أنت في حضن المراقبة الذكية!"، هذا شعار المرحلة القادمة بعد ما قررته أمانة عمّان بإضافة 3000 كاميرا مراقبة جديدة، لتنضم إلى 2500 كاميرا تم تركيبها منذ بداية العام الحالي، ليصل المجموع إلى 5500 كاميرا حتى منتصف عام 2026 ، والعدد قابل للزيادة .. هذا الخبر صنع على وجوه البعض، مزيجًا من "الإيموجيّات" بين الراضي والمتذمّر، لكن وللأمانة، فإن الأمانة تسير بخطى واثقة نحو تصحيح السلوك في شوارعنا.

في عمّان، المدينة التي لا ينجو فيها حتى طيف سيارة من عين الرادار، يبدو أن تركيب هذه الكاميرات يشكل نقلة تكنولوجية نوعية في البنية التحتية للمدينة، فالموضوع كما يُقال لا يتعلق فقط برصد المخالفات أو "الجباية" كما يظن المشككون، بل بنظام ذكي لإدارة المرور ومراقبة الحدائق والمتنزهات، خدمةً للمواطن أولاً وأخيرًا، فمن يدري، لعلها المرة الأولى التي نستطيع فيها ترك أطفالنا يلهون مطمئنين، فهناك "عين أبٍ رقميّ" لا تنام، تراقب كل حركة... بل وكل همسة أيضًا.

يقول المسؤولون إن الهدف من هذه الكاميرات هو ضبط المخالفات بموضوعية، دون الحاجة إلى من يقف تحت الشمس يقرر إن كنت قد تجاوزت الإشارة أم لا، فالكاميرا لا تعرف المزاج، ولا تتأخر عن الدوام، ولا تضحك لابتسامة السائق، ولا تتأثر بعبارة "سامحنا هذه المرة"، إنها ببساطة آلة لا تعرف الواسطة، وهذا وحده كافٍ لجعلنا نحتفل بما يمكن تسميته "العدالة المرورية الرقمية".

لكن بعيدًا عن النكات، فإن القرار يحمل وجهًا آخر من المنطق: فالكاميرات ليست لتصيد الأخطاء فحسب، بل لتذكيرنا بأننا في مدينة يجب أن نحترم فيها القوانين قبل أن ننتظر الغرامة، ومع الوقت، سيبدأ السائق بالتفكير مرتين قبل أن يمر من الإشارة الصفراء أو التجاوز من اليمين أو كتف الشارع أو سرقة حق الأخرين عند الإشارات المرورية، لا خوفًا من المخالفة، بل لأن "الثقافة المرورية" بدأت تتسرّب إلى وعيه .. وهو ما نتمناه فعلاً.

ومع ذلك، يبقى السؤال العالق في أذهان الناس: هل المشكلة في السائقين.. أم في الشوارع نفسها؟ فالشوارع التي تُفاجئك بمطبّ بعد كل منعطف أو 4 مطبات في شارع واحد ضمن 4 مواصفات، وتغيّر اتجاه السير مرتين في الشهر، تحتاج أحيانًا إلى تنظيم أكثر من رقابة، فالكاميرا ستوثّق التجاوز، لكن من يوثّق معاناة السائق الذي يسير في شارع بلا إشارة واضحة أو لوحة اتجاه مفقودة، أو تغيير السرعة كل كيلو متر؟

ثم هناك الجانب الأمني، الذي لا يمكن إنكاره، إذ تساهم هذه الكاميرات في ضبط السلوكيات الخاطئة وتجاوز القوانين، وتمنح شعورًا عامًا بالأمان، لكنها في المقابل تذكّرنا بأننا نعيش في مدينة تشاهدنا أكثر مما نراها نحن.

أما الحلول، فليست كلها في دفتر المخالفات، الغرامات المرتفعة تُربك جيوب الناس أكثر ما تُهذّب سلوكهم، وما نحتاجه حقًا هو شراكة بين وسائل الإعلام والجهات المرورية لتكثيف حملات التوعية وصناعة رسائل ذكية تصل إلى السائق قبل أن يصله إشعار المخالفة من خلال برامج تلفزيون وإذاعة، وحتى "ريلز" السوشيال ميديا، أن تشرح ببساطة كيف تتحول القيادة المسؤولة إلى ثقافة يومية، لا إلى خوفٍ من الرادار أو من كاميرات الأمانة.

الكاميرات قد تُنظّم المرور، لكنها وحدها لن تُهذّب الأخلاق، فاحترام القانون لا يأتي من عدسةٍ تراقب، بل من وعيٍ يشارك في صناعة نظامٍ مروري ذكي وموضوعي يتلاءم مع روح العصر، وأن الطريق ملكٌ للجميع: للمشاة، وللسائقين، ولمن يتشبّث بعامود باص الكوستر أو بمؤخرة "البيك أب" بحثًا عن توصيلةٍ مجانية، كلهم يستحقون أن يصلوا بسلام، دون أن يضع أحدهم يده على قلبه في كل منعطف، أو يتبادل التهاني بالنجاة عند الوصول.

ولعلّنا نُخفّف السرعة يومًا، لا لأن الكاميرا تراقبنا، بل لأننا بدأنا نرى الطريق بعيونٍ أكثر وعيًا وإنسانية.. هذا الذي