وجهات نظر

الثابت والمتحول ما بين واشنطن وتل أبيب!!

الثابت والمتحول ما بين واشنطن وتل أبيب!!


منذ تأسيس إسرائيل عام 1948، ظلّ التحالف الأميركي _الإسرائيلي من أكثر العلاقات السياسية ثباتًا في العالم، قائمًا على مزيج من المصالح الاستراتيجية والاعتبارات الأيديولوجية، لكنّ ما يجري منذ 8 اكتوبر 2023 الى 7 اكتوبر 2025 يكشف عن تحوّل غير مسبوق في طبيعة هذا التحالف وثوابته، حيث بدأت تظهر إلى العلن تباينات في العلاقة بين الجانبين بعد أن كانت مثل هذه التباينات تدار خلف الأبواب المغلقة.

احد ابرز الثوابت في هذه العلاقة هو التزام واشنطن الراسخ بأمن إسرائيل، وهو التزام مؤسسي يتجاوز الإدارات والحزبين معًا منذ إدارة ترومان الى يومنا هذا، وسنجد ان واشنطن لم تتراجع عن ضمان التفوّق العسكري النوعي لإسرائيل، الذي كرّسه البنتاغون كقاعدة استراتيجية منذ الستينيات من القرن الماضي، كما تواصل واشنطن استخدام حق النقض في مجلس الأمن لحماية إسرائيل من أي إدانة ( حيث استخدمت واشنطن الفيتو 114 مرة، من بينها 80 مرة استخدمت هذا الحق لمنع إدانة إسرائيل، و34 مرة ضد قوانين تساند حق الشعب الفلسطيني ) .

الثابت الآخر هو الطابع الأيديولوجي للعلاقة. فكما تشير دراسة نشرها معهد Pew)

( Research Center في مارس 2024، فإن أكثر من 60% من الأميركيين المحافظين، وخصوصًا من التيار الإنجيلي، يعتبرون دعم إسرائيل قيمة دينية وأخلاقية وهذا البعد يمنح التحالف بعدًا يتجاوز السياسة الواقعية إلى ما يشبه الشراكة في الهوية والرؤية والعقيدة .

لكن ما تغيّر بوضوح في السنوات الأخيرة هو طبيعة إدارة العلاقة بين الجانبين،

ففي فترة ولاية دونالد ترامب الاولى (2017–2021)، تحوّلت العلاقة إلى ما يشبه "الاندماج السياسي" إذ تبنّت واشنطن رؤية نتنياهو بالكامل، بدءًا من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل عام 2017، مرورًا بالاعتراف بسيادتها على الجولان في 2019، وصولاً إلى "خطة ترامب للسلام" مطلع 2020 المسماة السلام الابراهيمي .

تلك الخطة، التي وصفها تقرير لمجلة "فورين بوليسي (يناير 2020) بأنها "تمنح إسرائيل كل ما أرادت تاريخيًا "، ورسّخت شعورًا لدى تل ابيب بأن الدعم الأميركي لها غير مشروط الا أنّ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023 شكل نقطة انعطاف كبرى في تحديد ملامح العلاقات بين الجانبين الاميركي والاسرائيلي، حيث بدأت واشنطن تدرك أن استمرار الحرب يهدّد موقعها في الشرق الأوسط ويغذّي موجة غضب عالمي ضدها، ومنذ ديسمبر من العام ذاته، أرسلت إدارة بايدن رسائل متكررة إلى حكومة نتنياهو تطالب بوقف العمليات في غزة، معتبرة أن الحرب تجاوزت "الرد المشروع" إلى "كارثة إنسانية تضر بالمصالح الأميركية" .

هذا التباين تطوّر لاحقًا إلى خلاف علني، خصوصًا بعد أن رفض نتنياهو خطة أميركية لإدارة "اليوم التالي" في غزة تقضي بعودة السلطة الفلسطينية تدريجيًا، كما كشفت صحيفة هارتس في عددها في شباط/فبراير 2024، وفي المقابل، اعتبرت واشنطن أن الموقف الإسرائيلي يعرقل مسار التطبيع مع السعودية والدول العربية، ويضعف التحالفات التي بنتها الإدارة الأميركية في المنطقة منذ اتفاقات أبراهام.

كما برز متغيّر آخر على المدى المتوسط: الا وهو التحوّل داخل الرأي العام الأميركي.

فوفق استطلاع لمؤسسة غالوب (آذار/مارس 2024)، وللمرة الأولى يتعاطف 49% من الديمقراطيين مع الشعب الفلسطيني مقابل 38% فقط مع إسرائيل، وهي نتيجة تعكس تحولًا اجتماعيًا عميقًا قد ينعكس تدريجيًا على السياسة الرسمية.

وفي مقابل ما سبق فإنّ الثابت في العلاقات الأميركية – الإسرائيلية ما يزال قائمًا في بنيته الأمنية والاستراتيجية، لكن المتحوّل يتجسد في طبيعة الهيمنة داخل هذا التحالف ، فإسرائيل لم تعد الشريك المطيع بل الحليف المتمرد .

واليوم باتت الإدارة الأميركية تنظر إلى العلاقة من زاوية إدارة الأضرار لا تعميق التحالف، في سابقة قد تعيد صياغة "التحالف المقدس " الذي حكم علاقة واشنطن وتل أبيب طوال سبعة عقود.

اما لو حللنا اهم اسباب هذا "التراخي النسبي " في شكل وعمق التحالف بين واشنطن وتل ابيب علينا الاقرار بالعوامل التالية :

اولا : الصمود الاسطوري للشعب الفلسطيني في غزة بعد عامين من حرب الابادة التى كانت تريد ابادة الغزيين و، او تهجيرهم الى خارج غزة .

ثانيا : عجز اسرائيل عن شطب تمثيل الشعب الفلسطيني المتمثل بمنظمة التحرير الفلسطينية .

ثالثا : الموقف العربي والاسلامي وفي مقدمته الموقف الاردني والمصري اللذان تحديا ارادة ترامب وافشلا مشروع التهجير .