وجهات نظر

الأنوروا .. وفي الليلة الظلماء

الأنوروا ..  وفي الليلة الظلماء


يفتقد الفلسطينون وخاصة في غزة، وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، المسماة اختصاراً بالانوروا، ويرون أن غيابها القصري ينم عن امتداد لمأساة الإبادة والتطهير العرقي الذي عاشوه في غزة منذ السابع من اكتوبر عام 2023.

جرى تغييب الأنوروا، بعد أن اتهمتها اسرائيل بقائمة كبيرة من التهم، واعتقلت الكثير من المنتسبين لها بتهم "الإرهاب" والانخراط في المقاومة، وهو ما لم يثبت حتى بعد التحقيقات، فقد كانت اسرائيل تعتبر الانوروا أحد الشرايين المغذية لحياة الغزيين من طعام ومأوى وملبس وتعليم وصحة، وقامت بتدمير مخازن الأونوروا من الغذاء، كما دمرت المدارس والمراكز الصحية التابعة لها وسرحت الموظفين واعتقلت العديد منهم.

كانت الأونوروا وعبر بطاقات، (كرت المؤن) تقدم شهرياً للاجئين الفلسطينيين في قطاع غزة، والذي أكثره من اللاجئين، حيث تصل نسبتهم 80% من سكان القطاع الذين جاءوه لاجئين من فلسطين المحتلة عام 1948، ومن خارج غزة الذي يضم الكثير من القرى والمدن والتجمعات السكنية.وخاصة من حزام غزة

قدمت الأونوروا، وجبات غذائية متجانسة، وقدمت الملابس بشكل دوري، على شكل (بقجة)، تقدم باسماء العائلات المسجلة، ويعتقد الراحل، جمعة حماد، الصحفي المعروف ورئيس مجلس إدارة الرأي الأسبق ، أن تطور ملابس النساء الفلسطينيات من التقليدي الفلاحي والبدوي، قد حدث بسبب نوعية الملابس التي بدأت تقدم للاجئين الفلسطينيين المحتاجين لذلك، فلبست البنات ذلك وتطور ذلك في حياتهن المدنية، كما أن أنواعاً من الطعام كان يقدم ممن لم يكن معروفاً في بيئة اللاجئين آنذاك، مثل أنواع من المعلبات والزيوت والكاكاو وغيرها، ويعتقد أن تأثيرات وكالة الغوث في إمدادتها تخطت الحالة الاقتصادية الى الاجتماعية في تغيير نمط المعيشة والسلوك،

كثير من الفلسطينيين الذين كانوا غاضبين من الوكالة، ويعتبرونها تخدم البعد الانساني فقط على حساب حقوقهم السياسية وخاصة حقهم في العودة، باعتبارهم لاجئين، وأن وكالة الغوث، كانت حالة خاصة بهم عن غيرهم من اللاجئين في العالم، إذ أن حالتهم كانت تعتبر مؤقتة ولكنها استمرت حتى الآن.

تراجعت خدمات الوكالة في عديد من الدول التي استضافت اللاجئين الفلسطينيين وخاصة في سوريا ولبنان والأردن، وغيرها وكذلك في مخيمات الضفة الغربية وفي غزة حيث اوقفت اسرائيل خدماتها وانهتها.

أدركت أطراف عديدة مخاطر وقف مساعدات الأونوروا عن الفلسطينيين، قبل تسوية قضيتهم وقبل عودتهم الى ديارهم وعملت في وجه ذلك الوقف عبر المحافل الدولية، ولعل أبرز الدول على الاطلاق الذي حملت هذا العبء هي الأردن، التي بذلت جهوداً كبيرة وسياسية ودبلوماسية لدى المحافل الدولية وفي الأمم المتحدة لبقاء دور الوكالة قائماً ومستمراً بسبب الحاجة اليه.

سعت الأردن لدى دول المجموعة الأوروبية وحتى لدى الولايات المتحدة الأمريكية ولدى دول عربية عدة لاسترجاع موازنات الوكالة أو بعضها من أجل ديمومة المساعدات لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين وحيث انتشارهم.

ورغم أن اسرائيل قد طالبت بتجفيف منابع تمويل الوكالة أو نشاطها وطرح بديل انساني موال لسياساتها في غزة، الاّ أن الفوضى قد عمت وأصاب غزة التجويع الذي بقي العالم شاهداً عليه في حرب الابادة والتطهير العرقي واستعمال نشاط الوكالة كاداة ضغط على الفلسطينيين في غزة من أجل تهجيرهم.

لكن العالم رأى فشل كل الأشكال البديلة عديمة الخبرة المتورطة في السياسية الاسرائيلية وظل يطالب بدور جديد للوكالة، وهذا ما بدا ضعيفا وتدرج الآن حيث تعيد الوكالة الآن الى غزة بدايات متواضعة من التعليم للبنات والأطفال الذين انقطعوا عن الدراسة ومنعوا منها لمدة سنتين والذين يهددون بجيل كامل من الضياع، وقد بدأت التلميذات يفترشن الأرض من البيوت المهدمة وفي المساحات القليلة الخالية أو على انقاض المدارس ومن الركام وحتى على السلالم وبدات معلمات ومعلمين متطوعين أو عن طريق الأونوروا، وحتى تتلقى نسبة أخرى متواضعة أيضاً التعليم عبر (أون لاين) بعد وقف الحرب الهش في غزة.

لا أريد أن اتحدث عن حجم المساعدات التي تتلقاها الأونوروا في السنوات الماضية، حيث تتقدم الولايات المتحدة ثم الاتحاد الأوروبي، ولكن يبدو أن الأمم المتحدة حريصة الآن وبعد كل المآسي التي عاشها الفلسطينون في غزة من حرب ابادة وتطهير عرقي وحرمان من التعليم على اعادة دور وكالة الغوث، رغم كل الاجراءات والمواقف الاسرائيلية، وما زال الأردن مصراً على ذلك، ويسعى الى ذلك، بكل طاقاته السياسية والدبلوماسية، ويحرص على (وضع رجليه على الحيط)، كما يقولون بالعامية، لانفاذ ذلك، ولما يعنيه استمرار امداد وكالة الغوث بالمساعدات مع دلالات انسانية وحتى سياسية تحفظ حق الفلسطينيين في العودة وحقهم في اقامة دولتهم المستقلة على ترابهم الوطني.

لقد كان للموقف الملكي الذي عبر عنه جلالة الملك في اكثر من محطة زارها وخاصة خطابه أمام الأمم المتحدة وفي البرلمان الأوروبي، وحيث زيارات ثنائية للعديد من دول العالم واتصالات مع المنظمات الدولية المتخصصة، الدور الأكبر باعادة احياء دور وكالة الغوث والامساك به ورفض تصفيتها الذي تسعى له اسرائيل لتمسح من اذهان العالم وجود لاجئين لهم حقوق صادرتها.

واليوم في وجه التحديات الكثيرة والمتواترة يظهر استعداد، الأونوروا، أن تلعب دورها التاريخي مجدداًوأن تصلح الكثير من الاخطاء التي حاولت جهات بديلة اقامتها، وقد بدأ عمل الوكالة، والآن يظهر وبدأت مخازنها تعبر عن نفسها بانتظار أن يسمح لها بالانطلاق والتوزيع لاداء مهامها التاريخية، وسيبقى الفلسطيينون يتذكرون ذلك.ويتطلعون إلى تصفية الوكالة بعد حل قضيتهم وليس قبل ذلك