وجهات نظر

تفاهمات أم إملاءات؟

تفاهمات أم إملاءات؟


الجيش الإسرائيلي نفذ خلال الأيام الماضية عمليّة إنزالٍ وقصفٍ في منطقة إستراتيجيّة جنوب غرب دمشق، استمرّت ساعتين أدّت إلى سقوطِ قتلى وجرحى في صفوف الجيش السوري.

وفي الأيام الماضية سجّلت توغلات إسرائيليّة عدّة في أراضٍ سوريّة قبلها توغلات واستهداف إسرائيلي متواصل لمواقع في سوريا.

لماذا تتواصل الضربات الإسرائيليّة على سوريا؟ وما حسابات تل أبيب؟ وهل تسعى لفرض شروطها في مفاوضات الاتفاق الأمني بين البلدين؟ ألا تشكّل الاستهدافات المتواصلة رسالة استباحة لسيادة الدولة السوريّة وهيبتها؟ وما موقف واشنطن لهذا التصعيد في ظل وساطتها بين دمشق وتل أبيب؟.

خلال الآوانة الأخيرة قامت إسرائيل بعدّة توغلات منها؛ في المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل تتوغل القوات الإسرائيليّة في ريفي محافظة القنيطرة ودرعا بشكلٍ متكرر بذريعة البحث عن أسلحة وذخائر.

في شهر كانون أول الماضي عبرت القوات الإسرائيليّة السياج الحدودي السوري في الجولان، ولأول مرة منذ خمسين عامًا، محتلّة أراضي سوريّة جديدة في قمّة جبل الشيخ.

أمتدّ التقدّم العسكري إلى محافظة القنيطرة؛ ليصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بيانًا قال فيه إنّ اتفاقية وقف إطلاق النار عام ألفٍ وتسعمئةٍ وأربعةٍ وسبعين إنهارت، وأنّ المنطقة ستحتلُ مؤقتًا، لضمان عدم تمركزِ أي قوةٍ معادية لجوار حدود إسرائيل.

في التاسع من كانون الثاني من العام الجاري أفادت وسائلُ إعلامٍ بأنّ إسرائيل تخطط لإقامة منطقة أمنيّة بعمق خمسة عشر كيلو مترًا داخل سوريا.

وقبل نحو الشهر جرى إنزالٌ جويٌ إسرائيليٌ من مروحيات في بلدة يعفور، الواقعة على بعد خمسةٍ وعشرين كيلو مترًا جنوب غرب مركز العاصمة دمشق.

وأفادت وسائلُ إعلامٌ سوريّة بأنّ الجيش الإسرائيلي نفذ يوم السابع والعشرين من شهر آب الحالي إنزالاً جويًا في موقعٍ عسكريٍ في منطقة الكسوة قرب دمشق.

ولا يكاد يمرُّ يومٌ إلا وينفذُ الجيش الإسرائيلي مزيدًا من التوغل في مواقعِ عدّة في أرياف دمشق والقنيطرة ودرعا.

سوريا تدرك بأنّ ليس لديها أوهام لمواجهة إسرائيل، وهي تدرك بأنّها في مرحلة ضعف بعد سنوات الدمار التي كبدتها خسائر فادحة، جرّاء سياسات قوات النظام السوري السابق.

وفي لحظة سقوط النظام السابق في الثامن من كانون الأول الماضي، قامت إسرائيل بتدمير ما تبقى من البنى العسكريّة والقواعد. وبالتالي سوريا اليوم في مرحلة ضعف وهو أمر متفق عليه؛ حيث لا يوجد خيارات حاليّة أمام الإدارة السوريّة سوى الطريق الوحيد المتمثل بالتمسك بقرارات الشرعيّة الدوليّة، والطلب من الدول الصديقة والحليفة للقيام بدورهم في هذهِ المرحلة الصعبة.

وهنا يكمن السؤال المتمثل بـ لماذا تتمسّك الحكومة السوريّة بالمفاوضات مع إسرائيل إذا كانت تل أبيب تقترب من إحتلالٍ مزمن لنقاط ومناطق في سوريا؟

في وقت تشيرُ تقارير عدّة بأنّ عمليّة الإنزال الجوي الإسرائيلي التي جرت قبل أيامٍ قرب دمشق، أتت لاسترجاعِ أجهزةِ تنصتٍ متطورة جدًا لا تملكها إلا واشنطن وتل أبيب.

هذهِ العمليّة تؤكّد مرةً جديدة قوة التجسس الإسرائيلي في حروبها الأخيرة.

وكيف أصبح سلاحُ التجسس أداةً رئيسيًة في استهداف إسرائيل لخصومها؟

وهل بالفعل ما حقق لها التفوقِ في معاركها؟

وهل يعد التجسس هو العامل الذي يمنح إسرائيل التفوق في الحروب الأخيرة التي شهدتها المنطقة بعد السابع من تشرين الأول من العام ألفين وثلاثة وعشرين؟.

لا شك بأنّ من مبادئ الحروب الأساسيّة هي جمع المعلومات، بأساليب ووسائل متعددة من بينها التجسّس، وهو الأمر الذي تقوم به إسرائيل في ظل التطور التكنولوجي وثورة الاتصال والتطور السيبراني عاليّ المستوى؛ وهو ما سهل على إسرائيل القيام بالتجسّس من خلال مزاوجة القدرة الإلكترونيّة والعملاء على الأرض، وهو ما يتطلب عمل وتخطيط ربما يصل لسنوات، وما يدل على ذلك عملية البيجر التي نفذتها إسرائيل ضد في صفوف قيادات حزب الله اللبناني في بيروت العام الماضي.

العمليّة الإسرائيليّة الأخيرة التي جرت قرب دمشق قد تكون كانت لاسترجاع أجهزة تنصّت في غاية الدقّة ولا تملكها إلا واشنطن وتل أبيب؛ وربما لتدمير أجهزة توجيه للصواريخ خصوصًا وأنّ المنطقة كانت تستخدم في عهد النظام السوري السابق من قبل حزب الله اللبناني أو الحرس الثوري الإيراني وميليشيات إيران؛ وهي منطقة كانت تستخدم لإمداد حزب الله بالسلاح.

وغداة العمليّة العسكريّة الإسرائيلية قرب دمشق كان وزير الدفاع الإسرائيلي إيسرائيل كاتس، قد قال بأن قواتهم تعمل ليل نهار. وكتب كاتس على منصّة إكس بأن الجيش يعمل في جميع الميادين للحفاظ على أمن إسرائيل.

سوريا منذ سقوط نظام الأسد تحولت إلى رقعةٍ مفتوحةٍ للتوغل الإسرائيلي آخذٍ بالتمدد بذريعة الأمنِ وردعِ الخطر في المنطقة العازلة بين سوريا وإسرائيل، بشكلٍ متكرر تحت عنوان البحثِ عن أسلحةٍ وذخائر .

إسرائيل تبرر التوغلات والضربات العسكرية التي تنفذها، برغبتها في الحول دون وقوع الترسانة العسكريّة بيد ما تكسبها السلطات الجديدة.

وهنا السؤال الدائر هل الحكومة الإسرائيلية تنسق مع حليفتها الولايات المتحدة الأميركية بخصوص هذهِ الضربات أم هناك موافقة أميركية ضمنيّة على استمرارها ؟.

الغارات الإسرائيلية المتجددة على الأراضي السوريّة تفتح باب التساؤلات حول مصير المنطقة، في ظل سعيٍ إسرائيليٍ واضحٍ للتمدد، وخلط الأوراق، وعجزٍ سوريٍ يحول دون الرد، عجزٌ أسبابه معروفة؛ فالجسد منهك ويعلوه مخاطر الإنقسام، بعد أكثر من عقدٍ من إجرام الأسد، وبعد غارات إسرائيليّة أعقبت سقوطه، لم تبقِِ ولم تذر.

إسرائيل التي تتابع نشاطها العسكري في الجنوب السوري تمضي قدمًا في مفاوضاتها مع دمشق وخلفها ترسانتها العسكريّة، ما يبدو أنّ السيناريو المفضل للمفاوضات هو سيناريو الإملاءات لا سيناريو التفاهمات!.

التوغلات على الجنوب السوري تحمل رسائل عدة ليس آخرها الاستحواذ على مصادر المياه.

ويبقى السؤال؛ هل ستفلحُ إسرائيل بفرضِ كلِ قواعد اللعبة أم أنّ لحكومة دمشق سيناريوهات أخرى؟.