وجهات نظر

النوايا الخبيثة

النوايا الخبيثة


مرحلة حاسمة يترقب لبنان مساراته بين ضغوطٍ داخليّة وتقاطعاتٍ إقليميّة ودوليّة؛ ففي الجنوب تتجدد المواجهة الدبلوماسيّة حول مصير قوات اليونيفل، وسط محاولات إسرائيليّة للحد من دورها وتجديد اللبناني، على ضرورة التجديد لها لحين تطبيق القرار الدولي رقم ألف وسبعمئة وواحد كاملة.

بالتوازي يثير الحديث عن منطقة عازلة تسعى تل أبيب لإقامتها، ومخاوف من تصعيدٍ جديد يثير قد يفتح باب المخاوف من تغيير قواعد اللعبة على الحدود.

وفي بيروت يشكّل نزع سلاح حزب الله العقبة الأكبر أمام الحكومة اللبنانيّة والاختبار الأصعب الذي تخوضه، في سبيل إثبات قدرتها على بسطِ نفوذها وسيطرتها على السلاحِ المنفلت خارج قدرة الدولة بما يضمن استقرار لبنان ويحفظ سيادته.

الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم شدد على رفضِ تسليم السلاح. واعتبر في كلمة متلفزة أنّ السلاح هو روح الحزب وشرفه.

كما اتهم قاسم الحكومة اللبنانية باعتبارها متخذة قرار حصرِ السلاح بيد الدولة وفق إملاءاتٍ إسرائيليةٍ وأمريكية.

أمّا الرئيس اللبناني جوزيف عون فشدد على ضرورة مواكبة لبنان للاهتمام العربي والدولي عبر اتخاذ خطواتٍ جديّة لاستعادة الثقة.

وخلال لقاء وفدٍ من رجال الأعمال للدعم والتطوير شدد عون على ضرورة خروج لبنان من الطائفيّة والمذهبيّة باتجاه حزب واحد هو لبنان.

كما أشاد عون بعمل الحكومة اللبنانية معتبرًا أنّ عمل مجلس الوزراء أصبح منصّةً فعليًة للنقاش واتخاذ قرارات غير مسبوقة وفق تعبيره.

وجود القوات اللبنانية في الجنوب اللبناني يبقى محلّ جدلٍ، على أثر ذلك تأجل التصويت الذي كان متوقعًا في مجلس الأمن بشأن مستقبل بعثة حفظ السلام في جنوب لبنان التي تنتهي بنهاية الشهر الجاري.

وكان من المرتقب أن يصوت مجلس الأمن على مشروعِ قرارٍ يقضي بتمديد قوات اليونيفيل لعامٍ إضافي، وهو ما عارضته الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل.

ووفق المسودة الفرنسيّة تقوم المفاوضات على إنسحابٍ تدريجي. القوة الدوليّة التي تضم أكثرُ من ثمانية آلاف جندي مع إبقاء الحكومة اللبنانية الضامنة الوحيد للأمن في المنطقة.

في إطار المساعي الدبلوماسيّة الأمريكية لنزعِ فتيل التوتر في لبنان ألتقى المبعوث الأميريكي توم برّاك المسؤولين اللبنانيين لنقل الجواب الإسرائيلي على الرد اللبناني بشأن الورقة الأمريكية. ويأتي هذا فيما وصلت المبعوثة الأميركية مورغان اورتاغوس الى لبنان.

برّاك الذي كان التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وطلبت واشنطن من إسرائيل التجاوب مع قرار الحكومة اللبنانية بدء عملية نزعِ سلاح حزب الله عبر تقليصِ العمليات العسكرية غير العاجلة في لبنان.

وبينما تتكثف المساعي الإقليمية والدولية لمنع إنفجار الوضع في لبنان يأتي عرض حمّل معه العديد من علامات الاستفهام بل والتعجب، سواء من المرسل أو الرسالةِ ذاتها؛ الرسالة التي جاءت من مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وفي مضمونها أنّ إسرائيل مستعدة لدعم لبنان في نزعِ سلاحِ حزب الله.

وقال مكتب نتنياهو إنّه وفي حال اتخذ الجيش اللبناني خطوات لنزع سلاح حزب الله؛ فإنّ إسرائيل ستتخذ تدابير في المقابل؛ منها تقليص تدريجي للوجود العسكري الإسرائيلي في الأراضي اللبنانية.

تصريحات نتنياهو المتعلقة في الإنسحاب من النقاط التي احتلتها في جنوب لبنان مقابل نزعِ سلاحِ حزب الله هو إحراج للحكومة اللبنانيّة، وكأن إسرائيل تتعاون مع الحكومة اللبنانية ضد حزب الله!.

يعتبر هذا الملف من أكثر الملفات الشائكة، في وقت أكّد الرئيس اللبناني ضرورة مواكبة لبنان للاهتمام العربي والدولي.

وعودة إلى تصريحات نتنياهو فإنّ من شأنها أن تُحرج الحكومة اللبنانية بإصرار إسرائيلي متعمّد، إضافة إلى إحراج الموفد الأميريكي برّاك؛ خصوصًا وأنّ منطقة الجنوب اللبناني غدت خالية من وجود حزب الله وسلاحه ومقاتليه، من الجنوب اللبناني بما فيها النقاط الخمس المحتلّة؛ لكنّ هذا يتطلب من الجيش الإسرائيلي الإنسحاب حتى يتمكنّ الجيش اللبناني من أخذِ زمام الأمور.

كما أنّ إسرائيل تضغط لعدم التمديد لقوات اليونيفل للاستفراد بالجانب اللبناني، في وقت تعارض جميع الدول الأوروبيّة إنهاء وجود اليونيفل، وتعارضها الولايات المتحدة وشريكتها إسرائيل.

تصريح مكتب نتنياهو جاء عقب لقاءٍ جمعه مع المبعوثين الأميركيين توم برّاك و مورغان اورتاغوس اللذين زارا لبنان لنقل الجواب الإسرائيلي.

كيف ستدعمُ إسرائيل لبنان في نزعِ سلاحِ حزب الله؟

وهل يوافق اللبنانيون على هذا الدعم؟ وهل تنجح الوساطة الأميركية هذِه المرة في إنهاء هذا الملف؟.

تصريح نتنياهو هو تصريح ملغوم لتضليل الرأي العام العربي والدولي لإظهار وجود نوع من التحالف والتفاهم والتآزر بين الحكومتين اللبنانيّة والإسرائيليّة، وهو يعبر عن نيّة إسرائيليّة لإكمال الحرب في لبنان، وليس على نيّة نزع السلاح لإعادة السلطة في لبنان وإعادة تمكين الدولة.

هذا التصريح من شأنه زرع الفتنةِ الداخلية في لبنان، ودفع الحزب لعدم تنفيذ القرار في إطار تأليب الحزب، وحثه لرفض تنفيذ القرار؛ وهو ما يعني للإسرائبليين خلق الذرائع لاستكمال العمليات العسكريّة في لبنان.

ما يجب أن يعي به اللبنانيون هو عدم وجود نوايا إيجابية من الجانب الإسرائيلي؛ لأن موضوع بسط لبنان سلطته على أراضيه بقواها الذاتية تنفيذًا لقرار الطائف ومرورًا بالدستور اللبناني وتنتهي بقرارات مجلس الأمن الدولي وبقرار الحكومة الأخير لا علاقة له بالنوايا الأسرائيليّة أو رغباتها.

وهنا تكمن التساؤلات حول كيفية تعامل لبنان مع العرض الإسرائيلي الذي نقله المبعوثان الأمريكيان؟!.

وهل يمكن للثنائي الشيعي – حزب الله وحركة أمل - أن يستغلا هذا الموقف وأن يقولا بأنّ لبنان قدمَ ما يستطيع في هذهِ المباحثات وأن الكرة الآن أصبحت في الملعب الإسرائيلي؟.

وهل هناك عمليات تخادم واضح وصريح بين الثنائي الإيراني في لبنان وإيران وبين إسرائيل من جهةٍ أخرى، لأنّ كلٌ منهم يعيش على منطق الآخر وكلٌ منهم يبرر التصعيد بناء على تصرفات الآخر لاستمرار الصراع والذهاب للمزيد من الخطوات العسكريّة؟.

ولماذا أجّل حزب الله وحركة أمل الحركة الاحتجاجية واستخدام الشارع لرفض حصرية السلاح؟ وهل يجرؤ حزب الله على مواجهة الدخل اللبناني في محاولته للهروب من مواجهة إسرائيل عبر اختلاق توترات في الداخل اللبناني؟