تحية للمجلس القضائي
يبقى للقضاء ومنظومة العدالة في مفهومها الأوسع دورها الرئيسي والجوهري في تشكل الدولة، فتحقيق الأمن والعدالة بين الناس سبقت على أدوار أخرى مثل التعليم والخدمات الصحية، كما أن تحقيق نزاهة القضاء يعتبر غاية مطلقة، حيث يمكن القول بأن الدولة قطعت شوطًا معقولًا في التعليم، أو تقدم خدمات صحية ضمن حدود إمكانياتها، وهو ما لا يصح ولا يجب أن ينطبق عندما يكون الحديث عن القضاء.
وبعيدًا عن العبارات الكلاسيكية مثل من حقنا أو نفاخر أو نباهي بالقضاء الأردني، إلا أنني أستذكر شعورًا انتباني بالفخر عندما استشهد أحد المؤيدين لتولي المرأة مهام القضاء في مصر الشقيقة بتجربتنا في الأردن، وهي التجربة التي توسعت وفرضت نفسها، وتصادف أنني لأسباب كثيرة وقفت شاهدًا أمام قاضيات أردنيات ولمست فيهن الكثير من الاقتدار في إدارة شؤون الجلسات ومتابعة القضايا بما يليق بتجربة أردنية أصبحت مرجعًا لأي دولة عربية أو إسلامية يمكن أن تذهب إلى تمكين المرأة ومشاركتها في المواقع المختلفة في الأجهزة القضائية، بما فيها القيادية والمتقدمة.
على هامش الجدل الذي تصاعد في مصر مع بداية الألفية، كان المعارضون يدفعون بأن المرأة لأسباب نفسية وعاطفية، ومنها سرعة تأثرها لا تصلح للعمل في سلك القضاء، واستذكر أنني كنت في جلسة خاصة في مصر الشقيقة تصادف فيها تواجد أحد القضاة ليتحدث بأن الأصل في القاضي هو إنسان يتحمل نيابة عن المجتمع مسؤوليات جسيمة تؤثر عليه نفسيًا معظم الوقت، وأن على الدولة أن تراعي ذلك، وأن تحصنه من خلال توفير سبل الحياة الكريمة التي تجعله أكثر صلابة أمام الضغوطات النفسية المختلفة، وبالفعل توجهت مصر إلى تحسين الظروف المعيشية للقضاة ووكلاء النيابة، وكنت أشاهد الأندية الخاصة بهم تتوسع وتضيف المزيد من الخدمات، بالإضافة إلى النظر في مرتبات القضاء وشؤونهم المالية بطريقة جعلتهم يتقدمون على غيرهم من الوظائف في أجهزة الدولة المختلفة.
هذه من الواجبات الأصيلة للدولة من خلال أجهزة مستقلة مثل المجلس القضائي، الذي يفترض بجانب أدوراه التنظيمية، أن يجنب القضاة جملةً من المنغصات المجانية، مثل عدم مراعاة محل السكن لدى توزيع مواقع العمل، لدرجة أن يصل القاضي مستنزفًا نفسيًا إلى موقع عمله، وكذلك الأعباء التي تناط بالقضاة الذين يتحملون مع كثير من الأردنيين أعباء العمل بكفاءة لخفض النفقات بالصورة الممكنة، وهذه حالة يمكن أن نلمحها في مواقع مثل دائرة الأحوال المدنية والأراضي وغيرها، ويمكن قبولها، إلا أنها في القضاء يجب أن تخضع لمعايير أخرى تضمن قدرة القاضي على الإلمام بجميع القضايا المطروحة أمامه.
في بعض المجالات على الكاتب أن يتمهل في تقديم النقد أو إبداء وجهة نظره لحساسية الموضوع، ولأنه لم يصل إلى الحدود التي تستدعي الكتابة بصورة علنية، وهو ما يجعله يفضل الحديث إلى المعنيين مباشرةً من موقعه كفاعل اجتماعي، إلا أن الخطوات الجيدة التي اتخذت على مستوى المجلس القضائي مؤخرًا تشجع بصورة كبيرة للحديث عن تحسين الواقع المعيشي والنفسي للقضاة بصورة كبيرة، وهو ما يفتح بابًا للمطالبة بالمزيد، لأن الإجراءات التي اتخذت دللت على تفهم واقع القضاة ضمن الشرط الإنساني، فهم من الفئات التي تعيش ضغوطًا صامتةً وغير واضحة لأنها تقع في أعماق الضمير الإنساني.
للحق، كنت في حضرة قامة قضائية كبيرة، وقلت أنني أشفق على القضاة وعلى دورهم في المجتمع، فما كان منه، إلا أن جاوب غاضبًا أنا مرتاح الضمير في كل شيء، وهو ربما وإن كان يدافع عن موقعه وعن مسيرته، إلا أنني كدت أذكره بالحديث الشريف: «لن يدخل أحد عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته».
الواقعية في مقاربة المؤسسة القضائية وأحوال القضاة، والنظر في شؤونهم المعيشية والعمل على توفير ظروف مادية ومعنوية مواتية من شأنه أن يحقق أقصى عائد للمجتمع ككل في جانب جوهري من دور الدولة لا يمكن أن يتواضع أو يتراجع ليصبح تكميليًا أو ثانويًا.
يبقى للقضاء ومنظومة العدالة في مفهومها الأوسع دورها الرئيسي والجوهري في تشكل الدولة، فتحقيق الأمن والعدالة بين الناس سبقت على أدوار أخرى مثل التعليم والخدمات الصحية، كما أن تحقيق نزاهة القضاء يعتبر غاية مطلقة، حيث يمكن القول بأن الدولة قطعت شوطًا معقولًا في التعليم، أو تقدم خدمات صحية ضمن حدود إمكانياتها، وهو ما لا يصح ولا يجب أن ينطبق عندما يكون الحديث عن القضاء.
وبعيدًا عن العبارات الكلاسيكية مثل من حقنا أو نفاخر أو نباهي بالقضاء الأردني، إلا أنني أستذكر شعورًا انتباني بالفخر عندما استشهد أحد المؤيدين لتولي المرأة مهام القضاء في مصر الشقيقة بتجربتنا في الأردن، وهي التجربة التي توسعت وفرضت نفسها، وتصادف أنني لأسباب كثيرة وقفت شاهدًا أمام قاضيات أردنيات ولمست فيهن الكثير من الاقتدار في إدارة شؤون الجلسات ومتابعة القضايا بما يليق بتجربة أردنية أصبحت مرجعًا لأي دولة عربية أو إسلامية يمكن أن تذهب إلى تمكين المرأة ومشاركتها في المواقع المختلفة في الأجهزة القضائية، بما فيها القيادية والمتقدمة.
على هامش الجدل الذي تصاعد في مصر مع بداية الألفية، كان المعارضون يدفعون بأن المرأة لأسباب نفسية وعاطفية، ومنها سرعة تأثرها لا تصلح للعمل في سلك القضاء، واستذكر أنني كنت في جلسة خاصة في مصر الشقيقة تصادف فيها تواجد أحد القضاة ليتحدث بأن الأصل في القاضي هو إنسان يتحمل نيابة عن المجتمع مسؤوليات جسيمة تؤثر عليه نفسيًا معظم الوقت، وأن على الدولة أن تراعي ذلك، وأن تحصنه من خلال توفير سبل الحياة الكريمة التي تجعله أكثر صلابة أمام الضغوطات النفسية المختلفة، وبالفعل توجهت مصر إلى تحسين الظروف المعيشية للقضاة ووكلاء النيابة، وكنت أشاهد الأندية الخاصة بهم تتوسع وتضيف المزيد من الخدمات، بالإضافة إلى النظر في مرتبات القضاء وشؤونهم المالية بطريقة جعلتهم يتقدمون على غيرهم من الوظائف في أجهزة الدولة المختلفة.
هذه من الواجبات الأصيلة للدولة من خلال أجهزة مستقلة مثل المجلس القضائي، الذي يفترض بجانب أدوراه التنظيمية، أن يجنب القضاة جملةً من المنغصات المجانية، مثل عدم مراعاة محل السكن لدى توزيع مواقع العمل، لدرجة أن يصل القاضي مستنزفًا نفسيًا إلى موقع عمله، وكذلك الأعباء التي تناط بالقضاة الذين يتحملون مع كثير من الأردنيين أعباء العمل بكفاءة لخفض النفقات بالصورة الممكنة، وهذه حالة يمكن أن نلمحها في مواقع مثل دائرة الأحوال المدنية والأراضي وغيرها، ويمكن قبولها، إلا أنها في القضاء يجب أن تخضع لمعايير أخرى تضمن قدرة القاضي على الإلمام بجميع القضايا المطروحة أمامه.
في بعض المجالات على الكاتب أن يتمهل في تقديم النقد أو إبداء وجهة نظره لحساسية الموضوع، ولأنه لم يصل إلى الحدود التي تستدعي الكتابة بصورة علنية، وهو ما يجعله يفضل الحديث إلى المعنيين مباشرةً من موقعه كفاعل اجتماعي، إلا أن الخطوات الجيدة التي اتخذت على مستوى المجلس القضائي مؤخرًا تشجع بصورة كبيرة للحديث عن تحسين الواقع المعيشي والنفسي للقضاة بصورة كبيرة، وهو ما يفتح بابًا للمطالبة بالمزيد، لأن الإجراءات التي اتخذت دللت على تفهم واقع القضاة ضمن الشرط الإنساني، فهم من الفئات التي تعيش ضغوطًا صامتةً وغير واضحة لأنها تقع في أعماق الضمير الإنساني.
للحق، كنت في حضرة قامة قضائية كبيرة، وقلت أنني أشفق على القضاة وعلى دورهم في المجتمع، فما كان منه، إلا أن جاوب غاضبًا أنا مرتاح الضمير في كل شيء، وهو ربما وإن كان يدافع عن موقعه وعن مسيرته، إلا أنني كدت أذكره بالحديث الشريف: «لن يدخل أحد عمله الجنة، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته».
الواقعية في مقاربة المؤسسة القضائية وأحوال القضاة، والنظر في شؤونهم المعيشية والعمل على توفير ظروف مادية ومعنوية مواتية من شأنه أن يحقق أقصى عائد للمجتمع ككل في جانب جوهري من دور الدولة لا يمكن أن يتواضع أو يتراجع ليصبح تكميليًا أو ثانويًا.