الأردن بين رؤية الساحة وحقيقة الوطن
تفاعل تصريح العين عمر العياصرة حول رؤيته للأردن من أعلى سيارة البك أب بوصفه ساحةً، والتحول الذي لحقه ليراه وطنًا بعد دخوله مجلس النواب، وانقسمت الآراء حول التصريح بين المتحمسين والمستائين، خاصة ممن يرون أن وجود البك أب بوصفه أداة معارضة وتعبير سياسي ضرورة، وأن ليس جميع من يعتلون البك أب يرون الأردن مجرد ساحة.
التصريح يحمل شيئًا من الوجاهة المنطقية، بل وأرضية تاريخية يمكن أن تنبني عليها هذه الرؤية، ففي مرحلة تشكل الدولة الأردنية وقبل أن تكتمل بنية قطاع تعليمي يعول عليه لتحقيق أهداف الدولة والوطن، كان أبناء الأردن يقصدون دمشق والقاهرة وبغداد، والمحظوظون منهم يحطون في بيروت في جامعتها الأمريكية تحديدًا، وفي هذه المدن شاعت الأفكار القومية والشيوعية، وهي أفكار متجاوزة لفكرة الدولة بالمفهوم التقليدي، وفي وسط حياة سياسية عطلت لأسباب إقليمية من ذات العواصم التي كان الأبناء يذهبون للدراسة فيها ويعودون بأفكار غير مختبرة عمليًا، بقيت التصورات المثالية تحكمهم في معارضة لمجرد المعارضة.
الحديث ينسحب أيضًا على الإسلاميين، وإن تكن ظروفهم ووجودهم في الحياة السياسية مختلفًا، ففي النهاية يتم تسويق خطاب فكري ونظري لا يواجه المشكلات العملية، وبينما يمكن لأحد المنتمين للتيار الإسلامي أن يتحدث لساعات طويلة حول نموذجه الذي يستلهم فيه التاريخ المزدهر ويتحدث عن إسهامات علماء المسلمين، وفلسفة الاقتصاد الإسلامي وضرورته، ويتطرق للأندلس وقضايا مسلمي افريقيا، ويخرج راضيًا ليبحث عن دور للأردن في هذه الملحمة المتخيلة، في المقابل، كان ثمة مسؤول وضعته الظروف أمام مسؤوليات محددة يفكر في مخزون القمح وكيفية بناء صوامع للتخزين، والأموال المتوفرة لمخصصات الاستيراد وكيف يمكن تدبر الباقي، وكيف سيطرح موضوع التمويل مع دول صديقة أو شريكة، والفرق بين الحالتين كبير.
الافتراضات النظرية كانت كثيرًا ما تتجاهل واقع الأردن والأزمات السكانية والإقليمية التي تواجهه، ويمضي في محاولة تطويع جميع المعطيات لتتسق مع نموذجه المفترض، فهو يحدثك عن زراعة القمح وأمجادها القديمة، ويتناسى أن الأسرة التي كانت تمتلك عشرات الدونمات أصبحت اليوم عشرات الأسر تشترك في مساحات زراعية صغيرة، وأن مشكلة المياه قائمة وتتعقد عامًا بعد آخر.
من أعلى سيارة البك أب لا تجد المعارضة الأردنية نفسها في ذات الحلقة من المتطلبات الكثيرة والعاجلة والتوافق والتباديل المرهقة، فيمكن لها أن تنساق إلى الأيديولوجيا وأن (تكبر حجرها) ما استطاعت، أما عند مواجهة الحقائق الصعبة أحيانًا، وحادة الحواف في بعض الحالات فالأمور تتغير كثيرًا، ويمكن وقتها الحديث عن المسؤولية التي يحتاجها الوطن.
لا يعني ذلك أن المعارضة لا تمتلك ما تثري به المشهد، وأنها يمكن أن تتصدى للمشكلات والأزمات، ولكنه يركز على ضرورة أن تتحرك المعارضة إلى عالم الوقائع المحددة الذي لا يمكن التعامل معه من خلال البرامج الفضفاضة التي تزدحم بعبارات مثل (يجب توفير التعليم والخدمات الصحية للجميع) و(على الحكومة تطوير المدارس والمستشفيات في جميع المحافظات)، بل ستكون الأسئلة كيف يحدث ذلك، وكيف يتوفر التمويل وبأي تكلفة؟.
عندما يتصدى السياسي لهذه النوعية من الأسئلة يشعر أن الأردن بيت يتدبر شؤونه ضمن المتاح ويحاول بقدر ما يستطيع أن يؤسس نموذجه الخاص وفقًا لظروفه، أما من يعيش في الأيديولوجيا والشعارات فلن يرى الأردن سوى ساحة ومجرد مرحلة مؤقتة، وهو ما لا يليق بمعارضة حقيقية وشريكة ومسؤولة.
التصريح يحمل شيئًا من الوجاهة المنطقية، بل وأرضية تاريخية يمكن أن تنبني عليها هذه الرؤية، ففي مرحلة تشكل الدولة الأردنية وقبل أن تكتمل بنية قطاع تعليمي يعول عليه لتحقيق أهداف الدولة والوطن، كان أبناء الأردن يقصدون دمشق والقاهرة وبغداد، والمحظوظون منهم يحطون في بيروت في جامعتها الأمريكية تحديدًا، وفي هذه المدن شاعت الأفكار القومية والشيوعية، وهي أفكار متجاوزة لفكرة الدولة بالمفهوم التقليدي، وفي وسط حياة سياسية عطلت لأسباب إقليمية من ذات العواصم التي كان الأبناء يذهبون للدراسة فيها ويعودون بأفكار غير مختبرة عمليًا، بقيت التصورات المثالية تحكمهم في معارضة لمجرد المعارضة.
الحديث ينسحب أيضًا على الإسلاميين، وإن تكن ظروفهم ووجودهم في الحياة السياسية مختلفًا، ففي النهاية يتم تسويق خطاب فكري ونظري لا يواجه المشكلات العملية، وبينما يمكن لأحد المنتمين للتيار الإسلامي أن يتحدث لساعات طويلة حول نموذجه الذي يستلهم فيه التاريخ المزدهر ويتحدث عن إسهامات علماء المسلمين، وفلسفة الاقتصاد الإسلامي وضرورته، ويتطرق للأندلس وقضايا مسلمي افريقيا، ويخرج راضيًا ليبحث عن دور للأردن في هذه الملحمة المتخيلة، في المقابل، كان ثمة مسؤول وضعته الظروف أمام مسؤوليات محددة يفكر في مخزون القمح وكيفية بناء صوامع للتخزين، والأموال المتوفرة لمخصصات الاستيراد وكيف يمكن تدبر الباقي، وكيف سيطرح موضوع التمويل مع دول صديقة أو شريكة، والفرق بين الحالتين كبير.
الافتراضات النظرية كانت كثيرًا ما تتجاهل واقع الأردن والأزمات السكانية والإقليمية التي تواجهه، ويمضي في محاولة تطويع جميع المعطيات لتتسق مع نموذجه المفترض، فهو يحدثك عن زراعة القمح وأمجادها القديمة، ويتناسى أن الأسرة التي كانت تمتلك عشرات الدونمات أصبحت اليوم عشرات الأسر تشترك في مساحات زراعية صغيرة، وأن مشكلة المياه قائمة وتتعقد عامًا بعد آخر.
من أعلى سيارة البك أب لا تجد المعارضة الأردنية نفسها في ذات الحلقة من المتطلبات الكثيرة والعاجلة والتوافق والتباديل المرهقة، فيمكن لها أن تنساق إلى الأيديولوجيا وأن (تكبر حجرها) ما استطاعت، أما عند مواجهة الحقائق الصعبة أحيانًا، وحادة الحواف في بعض الحالات فالأمور تتغير كثيرًا، ويمكن وقتها الحديث عن المسؤولية التي يحتاجها الوطن.
لا يعني ذلك أن المعارضة لا تمتلك ما تثري به المشهد، وأنها يمكن أن تتصدى للمشكلات والأزمات، ولكنه يركز على ضرورة أن تتحرك المعارضة إلى عالم الوقائع المحددة الذي لا يمكن التعامل معه من خلال البرامج الفضفاضة التي تزدحم بعبارات مثل (يجب توفير التعليم والخدمات الصحية للجميع) و(على الحكومة تطوير المدارس والمستشفيات في جميع المحافظات)، بل ستكون الأسئلة كيف يحدث ذلك، وكيف يتوفر التمويل وبأي تكلفة؟.
عندما يتصدى السياسي لهذه النوعية من الأسئلة يشعر أن الأردن بيت يتدبر شؤونه ضمن المتاح ويحاول بقدر ما يستطيع أن يؤسس نموذجه الخاص وفقًا لظروفه، أما من يعيش في الأيديولوجيا والشعارات فلن يرى الأردن سوى ساحة ومجرد مرحلة مؤقتة، وهو ما لا يليق بمعارضة حقيقية وشريكة ومسؤولة.