الصناعة أولاً (١-٢)
مرة أخرى يظهر القطاع الصناعي ديناميكية عالية في الاقتصاد الأردني، ليس فقط من حيث مساهمته في النمو، بل بصفته قاعدة أساسية للتحول نحو اقتصاد الإنتاج والتنافسية الذي تستند إليه رؤية التحديث الاقتصادي. فالصناعة لا يجب أن تبقى قطاعاً تقليدياً، بل يفترض أن نسعى لجعلها منظومة إنتاجية متطورة تمزج بين التكنولوجيا، والابتكار، ورأس المال البشري المؤهل. نقول رأس المال البشري لأن قطاع الصناعة في أغلبه قطاع كثيف العمالة ذي أثر تشغيلي عالٍ، وهو ما يجعل القطاع الصناعي مرشحاً طبيعياً لقيادة المرحلة المقبلة في مشروع التنمية الكبير.
تشير البيانات إلى أن الصناعة ساهمت بشكل كبير وبما نسبته 40 بالمئة من النمو الاقتصادي المسجل خلال النصف الأول من العام الحالي، الذي بلغ 2.8 بالمئة. هذه النسبة لا تعكس فقط قوة الأداء الصناعي، بل تكشف أيضاً عن تحول هيكلي في مصادر النمو، إذ باتت الصناعة تقود النشاط الاقتصادي بدلاً من أن تكون تابعاً له. في الوقت نفسه، سجلت الصادرات الصناعية ارتفاعاً بنسبة 8.5 بالمئة خلال الأشهر السبعة الأولى من العام، ما يعكس مرونة القطاع وقدرته على التوسع في الأسواق رغم الظروف الإقليمية والعالمية المتقلبة.
هذا الزخم في الصادرات لا يمكن فصله عن حقيقة أن 90 بالمئة من الصادرات الوطنية هي صناعية، وهي نسبة تؤكد أن الصناعة تشكّل العمود الفقري للميزان التجاري، وأن أي تحسن في أدائها ينعكس مباشرة على عجز الحساب الجاري واستمرارية الاستقرار النقدي في المملكة. كما أن تجاوز عدد العاملين في القطاع 250 ألف أردني يضع الصناعة في قلب السياسات التشغيلية، خصوصاً مع نجاحها في خفض الاعتماد على العمالة الوافدة بنسبة 40 بالمئة، ورفع نسبة تشغيل المرأة إلى 30 بالمئة. هذه الأرقام تعكس بداية تحول ثقافي وتنظيمي مهم داخل الصناعة، من اعتمادها التاريخي على العمالة غير الماهرة إلى بيئة إنتاج تعتمد على التدريب والتأهيل والمهارات التقنية.
على صعيد الاستثمار، برزت الصناعة بوصفها القطاع الأكثر جذباً لرؤوس الأموال الجديدة. فقد بلغ حجم الاستثمارات الصناعية المستفيدة من قانون الاستثمار الحالي نحو 2 مليار دينار خلال الأعوام الثلاثة الماضية، تمثل 75 بالمئة من إجمالي الاستثمارات المسجلة بموجب القانون. هذه النسبة تكشف عن تفضيل واضح لدى المستثمرين للقطاع الصناعي مقارنة بقطاعات أخرى كالعقار أو الخدمات، وهو تفضيل يستحق الدراسة، قائم على الميزات المقدمة والحوافز القانونية، والبنية التحتية الصناعية، والتوجه نحو أسواق خارجية واعدة. هذا الرقم قابل للزيادة إذا ما استطاع الفريق الاقتصادي تكثيف الجهود أكثر باتجاه تفكيك “ثالوث” كلف النقل والطاقة ومدخلات الإنتاج، والتي تعتبر من المحددات الرئيسية لتنافسية الصناعات المحلية.
إن الصناعة الأردنية اليوم أمام فرصة تاريخية لتثبيت موقعها كمحرك رئيسي للنمو ومصدر مستدام للتشغيل، بشرط أن تتكامل السياسات الصناعية مع الإصلاحات الهيكلية في مجالات الطاقة والنقل والتعليم المهني. عندها فقط يمكن القول إن الصناعة باتت قادرة على قيادة مشروع التحول الاقتصادي المنشود.
									تشير البيانات إلى أن الصناعة ساهمت بشكل كبير وبما نسبته 40 بالمئة من النمو الاقتصادي المسجل خلال النصف الأول من العام الحالي، الذي بلغ 2.8 بالمئة. هذه النسبة لا تعكس فقط قوة الأداء الصناعي، بل تكشف أيضاً عن تحول هيكلي في مصادر النمو، إذ باتت الصناعة تقود النشاط الاقتصادي بدلاً من أن تكون تابعاً له. في الوقت نفسه، سجلت الصادرات الصناعية ارتفاعاً بنسبة 8.5 بالمئة خلال الأشهر السبعة الأولى من العام، ما يعكس مرونة القطاع وقدرته على التوسع في الأسواق رغم الظروف الإقليمية والعالمية المتقلبة.
هذا الزخم في الصادرات لا يمكن فصله عن حقيقة أن 90 بالمئة من الصادرات الوطنية هي صناعية، وهي نسبة تؤكد أن الصناعة تشكّل العمود الفقري للميزان التجاري، وأن أي تحسن في أدائها ينعكس مباشرة على عجز الحساب الجاري واستمرارية الاستقرار النقدي في المملكة. كما أن تجاوز عدد العاملين في القطاع 250 ألف أردني يضع الصناعة في قلب السياسات التشغيلية، خصوصاً مع نجاحها في خفض الاعتماد على العمالة الوافدة بنسبة 40 بالمئة، ورفع نسبة تشغيل المرأة إلى 30 بالمئة. هذه الأرقام تعكس بداية تحول ثقافي وتنظيمي مهم داخل الصناعة، من اعتمادها التاريخي على العمالة غير الماهرة إلى بيئة إنتاج تعتمد على التدريب والتأهيل والمهارات التقنية.
على صعيد الاستثمار، برزت الصناعة بوصفها القطاع الأكثر جذباً لرؤوس الأموال الجديدة. فقد بلغ حجم الاستثمارات الصناعية المستفيدة من قانون الاستثمار الحالي نحو 2 مليار دينار خلال الأعوام الثلاثة الماضية، تمثل 75 بالمئة من إجمالي الاستثمارات المسجلة بموجب القانون. هذه النسبة تكشف عن تفضيل واضح لدى المستثمرين للقطاع الصناعي مقارنة بقطاعات أخرى كالعقار أو الخدمات، وهو تفضيل يستحق الدراسة، قائم على الميزات المقدمة والحوافز القانونية، والبنية التحتية الصناعية، والتوجه نحو أسواق خارجية واعدة. هذا الرقم قابل للزيادة إذا ما استطاع الفريق الاقتصادي تكثيف الجهود أكثر باتجاه تفكيك “ثالوث” كلف النقل والطاقة ومدخلات الإنتاج، والتي تعتبر من المحددات الرئيسية لتنافسية الصناعات المحلية.
إن الصناعة الأردنية اليوم أمام فرصة تاريخية لتثبيت موقعها كمحرك رئيسي للنمو ومصدر مستدام للتشغيل، بشرط أن تتكامل السياسات الصناعية مع الإصلاحات الهيكلية في مجالات الطاقة والنقل والتعليم المهني. عندها فقط يمكن القول إن الصناعة باتت قادرة على قيادة مشروع التحول الاقتصادي المنشود.