وجهات نظر

من يوقف الغطرسة الإسرائيلية

من يوقف الغطرسة الإسرائيلية


منذ سنوات طويلة والمنطقة تعيش تحت وطأة تزايد الغطرسة الإسرائيلية التي انبثق عنها توسع شهية دولة الاحتلال في اعتداءاتها على دول وشعوب المنطقة، فلم تتوقف عند حدود فلسطين ولا عند قصف غزة، بل امتدت إلى استهداف سوريا ولبنان والعراق واليمن، وصولاً إلى الضفة الغربية والقدس، لكن التطور الأشد خطورة هو العدوان الأخير على العاصمة القطرية الدوحة، حيث استهدفت إسرائيل أرض دولة لعبت دور الوسيط السياسي، وبهذا العدوان تكون إسرائيل قد فتحت فعلياً «الجبهة الثامنة»، في دلالة صريحة على انتقالها من حيز الصراع التقليدي إلى استباحة سيادة دول المنطقة بلا استثناء.

هذا التوسع يعكس عقلية استعمارية توسعية ونوايا عدوانية لا ترى في الجوار سوى ساحة نفوذ ومجال حيوي لمشروعها، وهي لا تعترف بالاتفاقيات ولا بالوساطات، بل تضرب بها عرض الحائط متى وجدت أن البيئة السياسية الإقليمية والدولية تسمح لها بالمضي قدماً. التجربة أكدت أن إسرائيل لا تتوقف عند حدّ إلا إذا ووجهت بكلفة عالية تفوق مكاسبها، وأن الاقتصار على بيانات الشجب والإدانة لم يعد يجدي أمام عدوانية دولة الاحتلال وتماديها واستهتارها بالقانون والاتفاقيات الدولية.

الرهان على أن الصراع محصور في فلسطين لم يعد واقعياً، فالمعادلة الجديدة توضح أن كل دولة في المنطقة يمكن أن تصبح هدفاً في أي لحظة. فحين تُستباح سماء الدوحة، بعد دمشق وبيروت وصنعاء وبغداد، يتأكد أن المسألة تتعلق بمنظومة عدوانية شاملة، لا بسلسلة عمليات متفرقة، وعليه فإن السؤال الجوهري اليوم: من يوقف الغطرسة الإسرائيلية؟

الإجابة لا تكمن في تكرار العبارات الموحّدة، بل في الانتقال الجاد من مرحلة البيانات إلى مرحلة الإجراءات، فالمطلوب بناء موقف عربي وإسلامي موحّد يتجاوز الانقسام ويستثمر إمكانات الضغط الدبلوماسي والاقتصادي والسياسي بما يشمل خفض التمثيل الدبلوماسي أو تعليقه، ومراجعة الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية، ورفع ملفات الاعتداءات إلى المحاكم الدولية، وتنسيق منظومات دفاعية إقليمية مشتركة، كما يشمل التلويح بخيارات اقتصادية تمس مصالح إسرائيل المباشرة، وإعادة النظر في مسارات التطبيع التي استغلتها تل أبيب لتوسيع نفوذها دون أن تدفع أي ثمن سياسي.

في الوقت نفسه، لا يعني ذلك انزلاقاً إلى مواجهة شاملة غير محسوبة، بل بناء سياسة ردع متدرجة ومدروسة، تحافظ على قنوات الاتصال ولكنها تُشعر المعتدي أن العدوان له ثمن، فالردع هنا يعد ضرورة استراتيجية لحماية سيادة الدول وضمان استقرار المنطقة، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا بتماسك الموقف العربي والإسلامي في وجه مشروع توسعي بات يهدد الجميع.

في المحصلة، يمكن القول إن صيانة سيادة الدول وحماية شعوبها لم تعد تحتمل التردد أو الاكتفاء بالتنديد، فكل تأخير في الفعل الموحد يمنح إسرائيل مساحة أكبر للتمادي، بينما سيفرض أي انتقال حقيقي إلى إجراءات عملية معادلةً جديدة تُلزمها بالتراجع وإعادة حساباتها، والخيار أمام العرب والمسلمين اليوم واضح: إما الاكتفاء بالكلمات، فتستمر العربدة الصهيونية بلا حدود، أو تبنّي الفعل الموحد الذي يعيد إلى المعادلة توازناً افتقدته المنطقة طويلاً.