وجهات نظر

إلغاء واشنطن تأشيرات قيادات السلطة الفلسطينية .. الدلالات والأبعاد

إلغاء واشنطن تأشيرات قيادات السلطة الفلسطينية ..  الدلالات والأبعاد


يمثل قرار الولايات المتحدة إلغاء تأشيرات عدد من قيادات السلطة الوطنية الفلسطينية قبيل انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة تطوراً بالغ الأهمية، سواء على مستوى رمزيته السياسية أو على مستوى انعكاساته على المسار الدبلوماسي للقضية الفلسطينية، فالقرار لا يقتصر على كونه إجراءً إدارياً، بل يتعدّاه ليشكل رسالة سياسية واضحة تعكس طبيعة الانحياز الأميركي المزمن لإسرائيل، ومحاولة للضغط على القيادة الفلسطينية في توقيت بالغ الحساسية.

أول ما يستوقف في هذا القرار هو دلالته الرمزية؛ إذ إن اجتماعات الجمعية العامة تشكل إحدى أهم المنابر الدولية التي تتيح للفلسطينيين إيصال روايتهم ومخاطبة الرأي العام العالمي بعيداً عن فلك النفوذ الأميركي والإسرائيلي، ومنع الوفد الفلسطيني من المشاركة الكاملة في هذا المحفل الدولي يعكس سعي واشنطن إلى تقييد حضور الصوت الفلسطيني، وحرمانه من فرصة استثمار الزخم الدولي المتزايد حول جرائم الاحتلال والانتهاكات اليومية بحق الشعب الفلسطيني.

كما أن التوقيت يحمل دلالات إضافية، خاصة أن الإجراء جاء في ظل سياق إقليمي محتدم، تتصاعد فيه وتيرة العدوان الإسرائيلي على غزة والضفة الغربية، وتتزايد فيه المطالبات الدولية بوقف إطلاق النار وحماية المدنيين، من هنا يمكن قراءة القرار الأميركي باعتباره محاولة لقطع الطريق على أي خطاب فلسطيني فاعل قد يعزز التعاطف الدولي مع القضية الفلسطينية، ويحرج واشنطن أمام حلفائها الغربيين، أو يضعها في موضع المتناقض مع مبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان.

البعد الآخر يتمثل في انعكاس هذا القرار على صورة الولايات المتحدة ذاتها، فبينما تسعى واشنطن إلى تقديم نفسها راعية للنظام الدولي وحامية للقيم الديمقراطية وحرية التعبير، فإن حرمان ممثلي شعب تحت الاحتلال من حق مخاطبة العالم يناقض هذه الادعاءات، ويؤكد أن السياسة الأميركية تحكمها اعتبارات النفوذ والتحالف مع إسرائيل أكثر من التزامها بمبادئ الشرعية الدولية، هذا التناقض قد يضعف من مصداقية الدور الأميركي في أيّ مساعٍ مستقبلية لرعاية عملية السلام، ويعزز من القناعة بأن واشنطن فقدت موقع الوسيط النزيه منذ سنوات طويلة.

وفي البعد الفلسطيني الداخلي، يفرض هذا التطور تحدياً إضافياً أمام القيادة الفلسطينية التي تجد نفسها أمام سياسة حصار دبلوماسي موازٍ للحصار الميداني الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، غير أن هذا التحدي قد يتحول إلى فرصة، عبر تعزيز التحرك الفلسطيني نحو المحافل الدولية الأخرى، مثل مجلس حقوق الإنسان ومحكمة العدل الدولية، وكذلك عبر توسيع دائرة الحلفاء الإقليميين والدوليين بعيداً عن المظلة الأميركية.

أما على الصعيد الدولي، فمن المرجح أن يثير القرار ردود فعل متباينة، فبينما باركته إسرائيل ورأته انتصاراً دبلوماسياً، فإن عدداً من الدول الأوروبية والكتل الدولية (مثل مجموعة الـ77 أو دول عدم الانحياز) قد تعتبره تصرفاً غير مقبول يحدّ من حرية العمل الدبلوماسي، ويمثل سابقة خطيرة في التعاطي مع الوفود الرسمية.

في المحصلة، فإن إلغاء واشنطن تأشيرات قيادات السلطة الفلسطينية قبيل اجتماعات الأمم المتحدة لا يمكن عزله عن مجمل السياسة الأميركية الهادفة إلى إعادة تعريف شروط اللعبة الدبلوماسية بما يخدم المصالح الإسرائيلية، لكن هذه الخطوة قد تأتي بنتائج عكسية، إذ تفضح الانحياز الأميركي، وتعطي الفلسطينيين زخماً إضافياً في خطابهم أمام الرأي العام العالمي، الذي بات أكثر وعياً بطبيعة الصراع وأكثر انفتاحاً على الرواية الفلسطينية.