وجهات نظر

المتلاعبون بالعقول (2)

المتلاعبون بالعقول (2)


في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لم يعد التنافس العسكري وحده هو أداة النفوذ، بل أصبح التلاعب بالعقول أداة استراتيجية مركزية لدعم الرواية الصهيونية الزائفة، حيث تستخدم هذه الآلية مزيجاً من الإعلام والدعاية السياسية والتمثيل الدبلوماسي لإعادة صياغة الواقع، بحيث يبدو الاحتلال الإسرائيلي المدافعَ عن نفسه، بينما يظهر الفلسطينيون كطرف عدواني أو معرقل للسلام، رغم أن الوقائع على الأرض تكشف الحقيقة بعكس ذلك.

الإعلام الغربي يؤدي دورا محوريا في هذه الاستراتيجية، حيث تغطي معظم وسائل الإعلام الكبرى الأحداث بأسلوب يميل إلى تبرير الإجراءات الإسرائيلية أو تقليل أثر الانتهاكات على المدنيين الفلسطينيين، وتعرض المجازر على أنها "نتائج عمليات عسكرية دفاعية"، بينما يتم إغفال أو تهميش القصف الممنهج للمدارس والمستشفيات والأحياء السكنية، كما يتم تضخيم أعمال المقاومة الفلسطينية الصغيرة وتقديمها على أنها تهديدات كبرى، بينما يُقدَّم توسع المستوطنات الاستيطانية والسياسات العقابية الإسرائيلية كخطوات "مشروعة" أو "ضرورية للأمن"، هذه العملية الإعلامية لا تصور فقط الأحداث بشكل منحاز، بل تشكل إطاراً فكرياً يجعل الرأي العام الدولي يلتقط الرواية الإسرائيلية دون تمحيص.

على الصعيد السياسي، يستفيد الاحتلال من تحالفات استراتيجية مع بعض القوى الغربية وإعلامها، تستخدم خطاب حقوق الإنسان والديمقراطية بشكل انتقائي، فعلى الرغم من أن انتهاكات الاحتلال تتضمن القتل الجماعي، والحصار، والتهجير القسري، والاعتقالات الإدارية للأطفال، فإن هذه الدول نادراً ما تفرض عقوبات ملموسة أو تقوم بخطوات ضغط فعالة، مكتفية بإصدار بيانات احتجاجية أو دعوات إلى "ضبط النفس". في الوقت نفسه، يُستثنى الاحتلال من المحاسبة، ويقدَّم على أنه شريك في "السلام والأمن الإقليمي"، هذه السياسة تعزز الرواية الصهيونية الزائفة وتمنحها صفة الشرعية الدولية الزائفة، بينما تضعف الرواية الفلسطينية المدعومة بالحقائق والوقائع على الأرض.

الحقائق الميدانية واضحة.. عشرات آلاف المدنيين قُتلوا في غزة منذ بداية العدوان على القطاع، بما في ذلك نساء وأطفال؛ وتم تدمير البنية التحتية، بما فيها المدارس والمستشفيات؛ وهناك آلاف الفلسطينيين محتجَزون إداريا دون محاكمات عادلة، بينما يواصل الاحتلال التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية، مع تجاهل القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة.. كل هذه الوقائع تثبت أن الرواية الفلسطينية مبنية على أحداث موثقة، بينما تعتمد الرواية الصهيونية على التزييف الإعلامي والسياسي لصناعة تصور مضلِّل.

التلاعب بالعقول، إذن، ليس مجرد تسويق إعلامي، بل هو أداة هيمنة استراتيجية، إنه يحول الانتهاك إلى حق، والصمود إلى تهديد، ويغطي على الجرائم المنظمة، ويضع الفلسطينيين تحت ضغط مزدوج؛ على الأرض، وفي وعي الرأي العام العالمي، ومع ذلك، يثبت الشعب الفلسطيني بصموده وموثوقية تقارير الحقوقيين أن الحقيقة قابلة للتوثيق، وأن الرواية الصهيونية، مهما دعمها الإعلام والسياسة الغربية، لا تستطيع محو الواقع على الأرض.

في النهاية، يظل اختبار الرأي العام العالمي والشرعية الدولية قائما، فهل ستستمر القوى الكبرى وإعلامها في التواطؤ مع رواية مزيفة، أم ستعترف بالحقائق الميدانية وتعيد صياغة سياساتها وفق القانون الدولي ومبادئ العدالة؟ الحقيقة، كما توثقها الوقائع، واضحة، ولا يمكن للتلاعب الإعلامي والسياسي أن يلغيها.