وجهات نظر

خدمة العلم .. رافعة لتعزيز الهوية والإنتاجية

خدمة العلم ..  رافعة لتعزيز الهوية والإنتاجية


يشكل إعلان سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني عن اعادة تفعيل خدمة العلم خطوة مهمة وضرورية في مسيرة الدولة الأردنية نحو تعزيز الانتماء الوطني وبناء الإنسان، فالجيش العربي المصطفوي كان وما يزال مصنعَ الرجال والمدرسةَ التي انصهرت فيها قيم التضحية والانتماء والولاء للوطن، واليوم تأتي هذه الخطوة لتعيد إلى الأذهان روح الالتزام والمسؤولية لدى الشباب، وتغرس في نفوسهم عقيدة الجيش العربي القائمة على الانضباط، والعمل الجماعي، والدفاع عن ثرى الوطن الغالي.

خدمة العلم ليست مجرد فترة تدريب عسكري، بل هي تجربة حياتية متكاملة تسهم في تشكيل الشخصية الوطنية، فهي تمنح الشباب فرصة للاندماج مع مؤسسات الدولة، وتعزز من إحساسهم بالمسؤولية المشتركة تجاه المجتمع، كما أنها وسيلة لتقوية الهوية الوطنية، وربط الأجيال الجديدة بتاريخ جيشنا الباسل، وبالقيم التي أرساها الآباء والأجداد في الدفاع عن الأرض والكرامة.

لكن التحدي الأكبر يكمن في كيفية استثمار هذه الخدمة بما يتجاوز البعد العسكري، لتصبح مدخلاً لتعظيم التنمية الشاملة وتحويل المجتمع إلى إنتاجيّ، هنا تبرز الحاجة إلى رؤية شمولية تجعل من خدمة العلم منصة لتطوير المهارات المتعددة لدى الشباب، فإلى جانب التدريبات العسكرية والانضباطية، يمكن إدماج برامج تدريبية متخصصة في المجالات الإنتاجية والإبداعية والحرفية والمهنية بما ينعكس مباشرة على سوق العمل.

ومن بين المجالات التي ينبغي التركيز عليها، الصناعات الإبداعية، باعتبارها من أسرع القطاعات نمواً وأكثرها قدرة على استيعاب الطاقات الشبابية، فتعليم الشباب أسس التصميم، والإنتاج الإعلامي، والبرمجيات، والفنون الرقمية، والصناعات الثقافية، يمنحهم أدوات جديدة للتعبير والإنتاج، ويعزز من قدرتهم على المنافسة في الاقتصاد المعرفي، كما أن الاستثمار في هذا القطاع لا يسهم فقط في فتح فرص عمل واعدة، بل يمكن أن يشكل قيمة مضافة للناتج القومي الإجمالي ويرسخ صورة الأردن كحاضنة للإبداع والابتكار في المنطقة.

إلى جانب ذلك، يمكن إدخال برامج تدريب على الصناعات الخفيفة والحرف التقنية والمهنية، وتعزيز المهارات الرقمية التي أصبحت شرطاً أساسياً في الاقتصاد المعاصر، كما يمكن توفير دورات مكثفة في اللغات الأجنبية لتمكين الشباب من الانفتاح على الأسواق العالمية والمساهمة في تعزيز تنافسية الاقتصاد الوطني، إضافة إلى ذلك، فإن التدريب على مهارات الإدارة، والعمل بروح الفريق، وحل المشكلات، من شأنه أن يحول هذه الخدمة إلى رافعة حقيقية لإعداد جيل قادر على الابتكار والإنتاج.

ولا يقل أهمية عن ذلك، التركيز على تنمية ثقافة ريادة الأعمال لدى الشباب خلال فترة الخدمة، من خلال ورشات عمل ومحاضرات يقدمها خبراء محليون وعالميون، مما يشجع على التفكير في إنشاء مشاريع صغيرة ومتوسطة يمكن أن تسهم في خلق فرص عمل جديدة، كما يمكن تعزيز التعاون مع القطاع الخاص لتوفير تدريبات عملية مرتبطة مباشرة باحتياجات سوق العمل.

بهذه الرؤية، يمكن تحويل فرصة خدمة العلم من مجرد التزام، إلى مشروع وطني يجمع بين الانتماء والولاء والجاهزية للدفاع عن الوطن وبين بناء القدرات والإنتاجية، بحيث تشكل فرصة لإعادة صياغة علاقة الشباب بدولتهم، وتحويل طاقاتهم إلى قوة إيجابية فاعلة في مسيرة التنمية.

إن قرار عودة خدمة العلم يحمل رسالة واضحة جوهرها: أن الأردن يعوّل على شبابه باعتبارهم الثروة الحقيقية والركيزة الأساسية لمستقبله، وبالاستثمار في عقولهم وطاقاتهم، يمكن أن تتحول هذه الخدمة إلى منصة نهضوية توازي في أهميتها كبريات المشاريع الوطنية، وتبني أردنَّ أكثر قوة، وأكثر قدرة على مواجهة تحديات العصر بثقة واقتدار.