سوالف

قلوب صغيرة تتنافس على الحب: كيف نتعامل مع غيرة الأطفال من بعضهم البعض؟

قلوب صغيرة تتنافس على الحب: كيف نتعامل مع غيرة الأطفال من بعضهم البعض؟

للعلّم - في قلب كل طفل عالمٌ صغير مليء بالمشاعر، بالاحتياجات، وبالأسئلة الصامتة. وعندما يدخل طفل جديد إلى هذا العالم — سواء كان أخًا أو أختًا — يشعر الطفل الأكبر وكأن مكانه في قلب والديه قد تزعزع. هنا تولد الغيرة، تلك الشعلة الصغيرة التي إن لم تُفهم وتُحتوَ، قد تتحول إلى لهب يشتعل في السلوك والمشاعر.

فكيف نتعامل مع غيرة الأطفال من بعضهم البعض؟ كيف نحتويها ونحولها من صراع خفي إلى علاقة صحية قائمة على المحبة والدعم؟

أولاً: فهم الغيرة... ما وراء السلوك؟
الغيرة ليست عيبًا ولا مؤشرًا على سوء التربية، بل هي شعور إنساني طبيعي، خاصة عند الأطفال الذين لا يزالون في طور اكتشاف الذات والعلاقات. الطفل يغار لأنه يشعر أن حب والديه – وهو كل عالمه – مهدد. هو لا يكره أخاه الصغير، بل يخاف أن يفقد مكانته الخاصة.

الغيرة قد تظهر بعدة صور:

انطواء أو انعزال

تمرد وعناد مفاجئ

بكاء بلا سبب واضح

عدوانية تجاه الأخ أو الأخت

تراجع في النمو (كأن يعود للحديث كالأطفال الأصغر أو يبلل نفسه)

هذه التصرفات ليست إلا نداءات خفية: "هل ما زلتم تحبونني؟ هل أنا مهم مثله؟"

ثانيًا: خطوات عملية لتقليل الغيرة بين الإخوة
1. التوازن في الحب لا يعني التماثل
الأطفال مختلفون، ولكل منهم احتياجاته الخاصة. بدلاً من محاولة إعطاء الجميع "نفس الشيء"، حاول أن تعطي كل طفل ما يناسبه. قد يحتاج أحدهم وقتًا أطول معك، بينما يحتاج الآخر إلى كلمات تشجيع. المهم أن يشعر كل منهم بأنه "مميز ومحبوب كما هو".

2. الوقت المنفرد: دقائق تصنع المعجزات
خصص لكل طفل وقتًا خاصًا به وحده. حتى لو كانت عشر دقائق يوميًا، اجعلها ممتلئة بالاهتمام، والانتباه الكامل، دون أن يشاركه فيها أخوه. هذا الوقت يعيد للطفل شعوره بالأمان العاطفي.

3. لا تقارن، بل قدّر
"لماذا لا تكون مثل أخيك؟"… جملة كفيلة بزرع الغيرة والحقد. المقارنة بين الأطفال تُشعر أحدهم بأنه ناقص أو غير كافٍ. استبدل المقارنة بالتشجيع الفردي: "أنا فخور بك لأنك حاولت"، "أحب طريقتك في الرسم"، "كل منكم له أسلوبه الرائع".

4. ادعم مشاعرهم دون لوم
عندما يعبر طفلك عن غيرته، لا توبخه أو تسفه مشاعره. بل قُل:
"أفهم أنك شعرت بالحزن حين حملتُ أختك كثيرًا اليوم. هل تريد أن نحضن بعضنا الآن؟"

بهذا تكون قد علمته أن التعبير عن المشاعر لا يخيفك، وأنك تفهمه وتدعمه.

5. أشركهم في المسؤولية، لا المنافسة
بدلاً من أن تقول: "أنت الكبير، اصبر"، قل:
"أحتاج مساعدتك لأنك قوي وتفهمني. هل تساعدني في تهدئة أختك؟"

بهذا تُشعر الطفل بأنه شريك في الحب، لا ضحية له.

ثالثًا: بناء ثقافة الحب بين الإخوة
1. لحظات التقارب
شجع على الأنشطة المشتركة بين الإخوة: اللعب، القراءة، ترتيب الألعاب، الرسم. هذه اللحظات تصنع ذكريات جميلة تعزز الروابط.

2. احتفل بتفرد كل طفل
خصص لكل طفل لحظته الخاصة: عيد ميلاد مميز، لوحة على الحائط تعرض إنجازاته، أو حتى قصة تُروى عنه قبل النوم. التفرد يحمي من الغيرة.

3. علمهم التعبير لا التنافس
استخدم القصص أو الدمى لتعليم الأطفال كيف يعبرون عن مشاعرهم بطرق بناءة. دربهم على كلمات مثل: "أنا حزنت لأنك لم تشاركني"، بدلاً من الضرب أو البكاء.

رابعًا: عندما تتفاقم الغيرة... متى تستشير المختصين؟
في بعض الحالات، قد تتحول الغيرة إلى سلوك مؤذٍ متكرر، أو تظهر علامات قلق أو اكتئاب لدى الطفل. عندها، لا تتردد في استشارة اختصاصي نفسي للأطفال، فقد تحتاج الأسرة لتوجيهات أعمق أو خطة دعم سلوكية.

الغيرة بين الإخوة ليست حربًا، بل فرصة. فرصة لنا كآباء وأمهات أن نعلّم أبناءنا كيف يحبون، كيف يفهمون مشاعرهم، وكيف يتشاركون الحياة بقلوب مليئة بالتقدير والدفء.

في عالمٍ يمتلئ بالمنافسة، نحن نحتاج أن نزرع في بيوتنا ثقافة الأمان العاطفي، فذلك هو الإرث الحقيقي الذي نتركه في قلوب أطفالنا.

فلنحبهم جميعًا، لا بعدلٍ ظاهري، بل بحكمة تُدرك أن كل قلب صغير يحتاج لحنان يُفصَّل على مقاسه.