وجهات نظر

هل حان زمن الهلال الخصيب؟

هل حان زمن الهلال الخصيب؟

الأردن أكثر دول الهلال الخصيب استقرارا وأمنا. كل ما يعانيه من تحديات أمنية واقتصادية ناجمة عن مشاكل الأخرين، ولهذا السبب هو صاحب مصلحة أساسية في دعم استقرار جواره العربي ليمضي في مسيرته بأقل قدر من الأخطار.

برغم المخاطر الهائلة والوجودية التي تواجه الأشقاء في سورية ولبنان والعراق وفلسطين، إلا أن التطورات التي حصلت في السنة الأخيرة تمنح هذه الدول فرصة غير مسبوقة لبناء حالة من التضامن والتكافل لمصلحة شعوبها. لم تعد هناك أنظمة تضمر الشر لجيرانها أو تصدر السلاح والمخدرات، وتعبث بأمنهم الداخلي.

لم تعد سورية رهنا لمشروع خارجي، وحكومتها الجديدة معنية بدعم الجميع لإعادة بناء الدولة والاقتصاد ولملمة جراح السوريين بعد عقود طويلة من المعاناة. لا يحمي سورية من التفكيك سوى تعاون مع جوارها العربي.

لبنان يستعيد دولته بعد غياب طويل. ليس في أفضل حال، لكن مؤسسات الدولة تعود شيئا فشيئا، ورجال الحكم مصممون على تجاوز منطق الدويلة وبناء الدولة، ليعود لبنان وجهة للعرب سياحة واستثمارا وثقافة.

العراق، يملك فرصة لا تعوض، للخروج من تحت عباءة الوصاية الإيرانية، والتخلص من حكم المليشيات والفساد بعد الضربات التي تلقتها الأذرع في المنطقة، وميل طهران الكبير لعقد صفقة نووية مع واشنطن.

القضية الفلسطينية تواجه تحديا مصيريا، بعد كل ما جرى منذ السابع من أكتوبر لن يكون بوسع السلطة الفلسطينية أن تجدد نفسها وتستعيد ثقة شعبها وتصمد في وجه إسرائيل الماضية للتطرف والتشدد الديني إلا بغطاء عربي ومن أقرب الدول إليها.

إسرائيل تمضي بلا كوابح، تمد أذرعها في كل مكان. حولت غزة إلى رماد، وتبتلع أراضي الضفة الغربية وتهجر أهلها دون أن تحسب حساب لأحد. مصممة على تفتيت سورية، تحتل أراضيها وتضرب دمشق كل يوم، وتغذي تيارات الانقسام، وتعلن ذلك صراحة، مثلما تواصل انتهاك سيادة لبنان يوميا وتجثم قواتها على مساحات من أراضيه.

لن تنجو دول الهلال الخصيب من مخاطر الحروب الداخلية وأطماع إسرائيل دون رابطة تجمع حكوماتها لمواجهة هذه المخاطر. دول هذه المنطقة هى نتاج ترتيبات القوى العالمية الكبرى لخرائطها. بينها من المشتركات والمصالح ما يفوق خلافاتها. الاقتصاد يجمعها والتواصل الجغرافي يمنحها فرصا هائلة لتدشين خطوط تجارة وطاقة واستثمار لا مثيل لها.

لم تعد أنظمة هذه الدول في منافسة أو خصومة، بينها قواسم مشتركة كبيرة ورؤية واحدة تقريبا وتحالفات متشابهة.

على المدى القصير هناك مهمات مشتركة تستدعي غرفة عمليات مشتركة للتعامل مع تهديدات المخدرات والجماعات الإرهابية والسلاح المهرب. اعرف أن هناك إطارا تنسيقيا مع تركيا لهذا الغرض، لكن ينبغي التفكير بتعاون من نوع مختلف بين دول الهلال.

على المديين المتوسط والطويل، ثمة مصالح استراتيجية، ستجعل من التعاون بين البلدان الخمس نموذجا متقدما للتنمية والاقتصاد المزدهر. وقوة إقليمية لايمكن لأي طرف تخطيها.

ماذا لو فكرت هذه الدول بإنشاء مجلس تعاون على غرار مجلس التعاون الخليجي، ولنسمه مجلس دول الهلال الخطيب، تحيي من خلاله الرابط التاريخي والجغرافي بين شعوب هذه الدول، وتؤسس لبناء قوة اقتصادية وسياسية، تساهم في استعادة مكانة العمل العربي المشترك، بعد أن تحولت الجامعة العربية لمؤسسة بيروقراطية لا قيمة لها.

بدون إطار تعاون مؤسسي بين هذه الدول لا يمكن لمشرقنا العربي أن يجد الخلاص من مصائبه وأخطاره وتهديداته. وستكون إسرائيل اللاعب الوحيد في الإقليم لا بل سيد اللعبة.