وجهات نظر

كنت في سماء غزة (1)

كنت في سماء غزة (1)

زرت قطاع غزة عام 1996 وكنت وزيرًا للشباب بصحبة وفد ضم 14 رئيس نادٍ رياضي، حللنا يومها ضيوفًا على الزعيم الفلسطيني الكبير ياسر عرفات.

برغبة من الزعيم أبو عمار، تناولنا طعام الإفطار سمكًا طازجًا على شاطئ بحر غزة، وكانت يشهد الله نصيحة مودة ومحبة.

كانت شوارع غزة ترابية مغبرة محفرة، ولم يكن فيها سوى فندق بدائي أمضينا فيه ليلتنا.

وقبل أعوام، نقل لي الصديق المهندس مروان نصوحي الشوا صورة بهيجة جدًا عن العمران والتطور والتقدم الذي أصبح عليه قطاع غزة.

تلك الأيام ولت، فقد أصبح قطاع غزة dead area حسب وصف دولة طاهر المصري.

يوم أمس الأحد، رافقت بمعية زميليّ في لجنة الإعلام والتوجيه الوطني بمجلس الأعيان الصديقين علي العايد وعمر العياصرة، نشامى القوات المسلحة الأردنية ونسور سلاح الجو الملكي الأردني في طلعة لطائرات النقل العسكرية الأردنية C130، كانت تتبعها 6 طائرات أردنية وألمانية وفرنسية وإماراتية وبلجيكية، تحمل أطنانًا من حليب الأطفال وأغذيتهم ومواد إغاثة أخرى تزن نحو 61 طنًا.

تناقشنا في قاعدة الملك عبد الله الثاني الجوية في طائرة الإغاثة العسكرية، كان شبابنا نشامى الجيش، خلية نحل يتحركون في حيز ضيق بين أكداس الصناديق يجهزون بحرفية مذهلة، المظلات التي ستحمل عشرات صناديق الإغاثة إلى أهلنا في القطاع، التي لو أنها أفرحت أو أنقذت طفلًا واحدًا فقط، لكان ذلك كسبًا عظيمًا.

قال تعالى يقصد إحياء النفس البشرية:

{وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}

كانت تضطرب في داخلي مشاعر متضاربة استفزت الدمع من عينيّ، لكنها بعثت الفخر في نفسي، وأنا أرى إلى ضباطنا وجنودنا يرسلون مواد الإغاثة وهم على أعلى درجات التأثر والفرح والنشوة.

بالنسبة لي كانت مرافقة قوافل الإغاثة الجوية الأردنية، التي ابتكرها وكرسها واصبحت إكسير حياة، ملكنا الحكيم الشجاع، تجربة تاريخية نادرة فريدة، ولما سألت أحد ضباطنا فأجابني إنها الطلعة رقم 50، فكم من الفرادة في تجربة، فوق أرض دمرها جيش الكيان الإسرائيلي، يعاين ضباطنا الحياة والموت فيها بهذا الزخم وعلى هذا القرب؟!.