الاقتصاد يبدأ من صناعتنا …. من الاقتصاد إلى الهوية
عندما تتجوّل في أي سوق أردني، لا ترى مجرد سلع معروضة على الرفوف، بل ملامح قصةٍ أوسع تُروى في كل عملية شراء، فاختيار منتجٍ محليٍّ على آخر مستورد ليس مجرد تفضيل اقتصادي، بل تعبير عن ثقةٍ وإيمانٍ بقدرة هذا البلد على الإنتاج والإبداع، فكل دينار يُنفق داخل السوق المحلية هو رسالة انتماء قبل أن يكون معاملة تجارية، ومع تكرار هذه الخيارات يتشكل اقتصادٌ أقرب إلى الناس وثقافةٌ أكثر اعتزازاً بالجذور.
أهمية دعم المنتج المحلي لا تقتصر على الاقتصاد بمعاييره الوطنية الشاملةفحسب، بل تمتد إلى بناء الشعور بالمسؤولية المشتركة، فكل دينار يُصرف على منتج أردني يبقى داخل الدورة الاقتصادية المحليةلينعش الشركات المحلية، ويدعم الأسر المنتجةوالتي يديرها البعض من اقربائنا واصدقائنا، ويوفر فرصاً للشباب من أبنائنا ليتعلموا ويبتكروا بدل من الاستمرار بالاعتماد المزمن على الوظائف الحكومية،فمن المنظور الاقتصادي الكلي تساهم زيادة استهلاك المنتجات المحلية في نمو الناتج المحلي الإجمالي، وتحسن ميزان المدفوعات، وتزيد من الدوران النقدي داخل السوق الوطنية، بما يعزز قوة الدينار الأردني واستقراره.
لكن البعد الاقتصادي ليس سوى جانب من الصورة، فالإنتاج المحلي لا يقتصر على كونه نشاطاً اقتصادياً، بل يمثل سلوكاً مجتمعياً يُعيد صياغة العلاقة بين الفرد واقتصاد بلدهبكل ما يمثله من قيم ،فحين يشعر أبناء المجتمع أن دورهم لا يتوقف عند الاستهلاك بل يمتد إلى المساهمة في الإنتاج، تتغير نظرتهم إلى العمل والقيمة والنجاح، ويتحول السوق إلى مساحةٍ للمشاركة في بناء المستقبل لا مجرد مكانٍ للشراء والبيع..
لطالما كانت الصناعة الأردنية ركناً أساسياً في الاقتصاد الوطني، إذ شكّلت في فترات سابقة ما يقارب خمس الناتج المحلي الإجمالي ووفرت آلاف فرص العمل المستقرة، إلا أن تدفق السلع المستوردة غيّر عادات المستهلكين تدريجياً، فأصبحت السلع الأجنبية مرادفة للجودة والرقيب بعضها ولرخص الأسعار ببعضها الاخر، بينما اكتسب المنتج المحلي صورة أقل جاذبية، ولم يكن هذا التحول اقتصادياً فحسب بل سلوكياً أيضاً.
فالاقتصاد السلوكي يفسر لنا لماذا يفضّل الناس أحياناً السلع المستوردة حتى لو كانت المحلية تضاهيها في الجودة، فخياراتنا لا تحددها الأسعار فقط، بل الانطباعات الاجتماعية والإشارات الرمزية،فشراء علامة تجارية أجنبية قد يمنح شعوراً بالانتماء إلى طبقةٍ أعلى، ومشاهدة الآخرين يفعلون الشيء ذاته يعزز هذه القناعة، حتى الأسعار تلعب دورها النفسي، فحين يكون المنتج المحلي أرخص يُفسَّر ذلك تلقائياً على أنه أقل جودة، ومع مرور الوقت تتحول هذه الانطباعات إلى عاداتٍ راسخة تُبقي الاعتماد على الواردات قائماً.
لذلك فإن تشجيع الإنتاج المحلي لا يتحقق بالشعارات أو القوانين وحدها، بل يحتاج إلى تغييرٍ تدريجي في السلوك الجماعي ونظرة الناس لهويتهم الاقتصادية،فحين يشعر المستهلك أن شراء المنتج الأردني يعبر عن انتمائه ومسؤوليته الواجبة نحو وطنه، لا عن تضحية أو بديلٍ اضطراري، تبدأ بعض الانماط السلوكية بالتغير، وهنا يأتي دور الحملات التي تربط بين المنتج الأردني وقصته الإنسانية وجودته الحرفية، فتصبح العلاقة معه أعمق من مجرد عملية بيع وشراء.
فعندما تتكامل جهود الأغلبية بتغيير نهج السلوك الاستهلاكي للفرد، لا تتغير معدلات البيع والشراء في الاسوق فقط بل يتغير وعي الكثير من الافراد من مختلف الفئات، فالمجتمع الذي يعتز بما ينتجه يبدأ في تقدير إبداعه في مجالاتٍ أخرى أيضاً،فالنجاح بدعم الصناعة المحلية يقود بطبيعته إلى دعم الزراعة والفنون والأدب، لأن التقدير للحرفة يمتد من الاقتصاد إلى الثقافة، فيخلق شعوراً عاماً بالرضى والثقة بالاقتصاد الوطني وما يتبعه من تأثيرات إيجابية تساهم معالجة الازمات المحلية المؤثرة .
وهكذا تتكوّن حلقةٌ طبيعية تربط الاقتصاد بالثقافة، فكل ازدهار اقتصادي يعيد الثقة بالهوية، وهذه الثقة بدورها تنعش روح الاقتصاد من جديد، فحين يزدهر نشاط الشركات الخاصة فإنها تقوم بدعم ورعاية قطاعات الفن والأدب.
الأردن يملك اليوم المقومات الكافية لتحقيق هذه النقلة، فصناعاته متنوعة، وامكانياته واعدة، وشبابه طموح، وما ينقص هو التحول في طريقة التفكير،فدعم الإنتاج المحلي ليس انغلاقاً أو حمايةً زائدة، بل مشاركة في تعزيز وتحصين اقتصاد الدولة وبناء مستقبل افضل للأردن ولشبابه واجياله القادمة، ويمكن للمؤسسات العامة أن تسهم في ذلك من خلال إعطاء الأفضلية للمورّدين المحليين وتبسيط الإجراءات أمام المشاريع الصغيرة، فيما تلعب المدارس والإعلام دوراً في ترسيخ قيمة المنتج الأردني وربط "صُنع في الأردن" بمعاني الجودة والاعتزاز.
لبناء اقتصادٍ أقوى لا يكفي تعديل السياسات وحدها، بل يحتاج أيضاً إلى تعميق ثقافة استخدام المنتجات المحلية، فعندما يقتنع الناس أن ما يُنتج هنا يستحق ثقتهم، فإنهم لا يستثمرون في سلعةٍ فحسب، بل بأنفسهم ومستقبل أولادهم أيضاً. وعندها يصبح دعم الإنتاج المحلي فعلاً من التفاؤل والإيمان بأن قوة الأردن تكمن فيما يبدعه، لا فيما يستورده.
عندما تتجوّل في أي سوق أردني، لا ترى مجرد سلع معروضة على الرفوف، بل ملامح قصةٍ أوسع تُروى في كل عملية شراء، فاختيار منتجٍ محليٍّ على آخر مستورد ليس مجرد تفضيل اقتصادي، بل تعبير عن ثقةٍ وإيمانٍ بقدرة هذا البلد على الإنتاج والإبداع، فكل دينار يُنفق داخل السوق المحلية هو رسالة انتماء قبل أن يكون معاملة تجارية، ومع تكرار هذه الخيارات يتشكل اقتصادٌ أقرب إلى الناس وثقافةٌ أكثر اعتزازاً بالجذور.
أهمية دعم المنتج المحلي لا تقتصر على الاقتصاد بمعاييره الوطنية الشاملةفحسب، بل تمتد إلى بناء الشعور بالمسؤولية المشتركة، فكل دينار يُصرف على منتج أردني يبقى داخل الدورة الاقتصادية المحليةلينعش الشركات المحلية، ويدعم الأسر المنتجةوالتي يديرها البعض من اقربائنا واصدقائنا، ويوفر فرصاً للشباب من أبنائنا ليتعلموا ويبتكروا بدل من الاستمرار بالاعتماد المزمن على الوظائف الحكومية،فمن المنظور الاقتصادي الكلي تساهم زيادة استهلاك المنتجات المحلية في نمو الناتج المحلي الإجمالي، وتحسن ميزان المدفوعات، وتزيد من الدوران النقدي داخل السوق الوطنية، بما يعزز قوة الدينار الأردني واستقراره.
لكن البعد الاقتصادي ليس سوى جانب من الصورة، فالإنتاج المحلي لا يقتصر على كونه نشاطاً اقتصادياً، بل يمثل سلوكاً مجتمعياً يُعيد صياغة العلاقة بين الفرد واقتصاد بلدهبكل ما يمثله من قيم ،فحين يشعر أبناء المجتمع أن دورهم لا يتوقف عند الاستهلاك بل يمتد إلى المساهمة في الإنتاج، تتغير نظرتهم إلى العمل والقيمة والنجاح، ويتحول السوق إلى مساحةٍ للمشاركة في بناء المستقبل لا مجرد مكانٍ للشراء والبيع..
لطالما كانت الصناعة الأردنية ركناً أساسياً في الاقتصاد الوطني، إذ شكّلت في فترات سابقة ما يقارب خمس الناتج المحلي الإجمالي ووفرت آلاف فرص العمل المستقرة، إلا أن تدفق السلع المستوردة غيّر عادات المستهلكين تدريجياً، فأصبحت السلع الأجنبية مرادفة للجودة والرقيب بعضها ولرخص الأسعار ببعضها الاخر، بينما اكتسب المنتج المحلي صورة أقل جاذبية، ولم يكن هذا التحول اقتصادياً فحسب بل سلوكياً أيضاً.
فالاقتصاد السلوكي يفسر لنا لماذا يفضّل الناس أحياناً السلع المستوردة حتى لو كانت المحلية تضاهيها في الجودة، فخياراتنا لا تحددها الأسعار فقط، بل الانطباعات الاجتماعية والإشارات الرمزية،فشراء علامة تجارية أجنبية قد يمنح شعوراً بالانتماء إلى طبقةٍ أعلى، ومشاهدة الآخرين يفعلون الشيء ذاته يعزز هذه القناعة، حتى الأسعار تلعب دورها النفسي، فحين يكون المنتج المحلي أرخص يُفسَّر ذلك تلقائياً على أنه أقل جودة، ومع مرور الوقت تتحول هذه الانطباعات إلى عاداتٍ راسخة تُبقي الاعتماد على الواردات قائماً.
لذلك فإن تشجيع الإنتاج المحلي لا يتحقق بالشعارات أو القوانين وحدها، بل يحتاج إلى تغييرٍ تدريجي في السلوك الجماعي ونظرة الناس لهويتهم الاقتصادية،فحين يشعر المستهلك أن شراء المنتج الأردني يعبر عن انتمائه ومسؤوليته الواجبة نحو وطنه، لا عن تضحية أو بديلٍ اضطراري، تبدأ بعض الانماط السلوكية بالتغير، وهنا يأتي دور الحملات التي تربط بين المنتج الأردني وقصته الإنسانية وجودته الحرفية، فتصبح العلاقة معه أعمق من مجرد عملية بيع وشراء.
فعندما تتكامل جهود الأغلبية بتغيير نهج السلوك الاستهلاكي للفرد، لا تتغير معدلات البيع والشراء في الاسوق فقط بل يتغير وعي الكثير من الافراد من مختلف الفئات، فالمجتمع الذي يعتز بما ينتجه يبدأ في تقدير إبداعه في مجالاتٍ أخرى أيضاً،فالنجاح بدعم الصناعة المحلية يقود بطبيعته إلى دعم الزراعة والفنون والأدب، لأن التقدير للحرفة يمتد من الاقتصاد إلى الثقافة، فيخلق شعوراً عاماً بالرضى والثقة بالاقتصاد الوطني وما يتبعه من تأثيرات إيجابية تساهم معالجة الازمات المحلية المؤثرة .
وهكذا تتكوّن حلقةٌ طبيعية تربط الاقتصاد بالثقافة، فكل ازدهار اقتصادي يعيد الثقة بالهوية، وهذه الثقة بدورها تنعش روح الاقتصاد من جديد، فحين يزدهر نشاط الشركات الخاصة فإنها تقوم بدعم ورعاية قطاعات الفن والأدب.
الأردن يملك اليوم المقومات الكافية لتحقيق هذه النقلة، فصناعاته متنوعة، وامكانياته واعدة، وشبابه طموح، وما ينقص هو التحول في طريقة التفكير،فدعم الإنتاج المحلي ليس انغلاقاً أو حمايةً زائدة، بل مشاركة في تعزيز وتحصين اقتصاد الدولة وبناء مستقبل افضل للأردن ولشبابه واجياله القادمة، ويمكن للمؤسسات العامة أن تسهم في ذلك من خلال إعطاء الأفضلية للمورّدين المحليين وتبسيط الإجراءات أمام المشاريع الصغيرة، فيما تلعب المدارس والإعلام دوراً في ترسيخ قيمة المنتج الأردني وربط "صُنع في الأردن" بمعاني الجودة والاعتزاز.
لبناء اقتصادٍ أقوى لا يكفي تعديل السياسات وحدها، بل يحتاج أيضاً إلى تعميق ثقافة استخدام المنتجات المحلية، فعندما يقتنع الناس أن ما يُنتج هنا يستحق ثقتهم، فإنهم لا يستثمرون في سلعةٍ فحسب، بل بأنفسهم ومستقبل أولادهم أيضاً. وعندها يصبح دعم الإنتاج المحلي فعلاً من التفاؤل والإيمان بأن قوة الأردن تكمن فيما يبدعه، لا فيما يستورده.