الأردن كاقتصاد موجَّه بالمهمّات
يواجه الأردن معضلة مزدوجة تتمحور في تباطؤ النمو الحقيقي (بين 2%–3%) وارتفاع المديونية العامة إلى مستويات تفوق الناتج المحلي مما يجعل أيّ نمو يقل عن سعر الفائدة على الدين غير كافٍ لتقليص الدين أو خلق فرص العمل. كما أن التركيز على تقليل الانفاق في هذه المرحلة بدلا من تحسين نوعيته هو توجه خاطئ. لا يمكن خفض الدين عبر التقشّف فقط؛ بل عبر رفع النمو الإنتاجي الحقيقي من خلال الابتكار، والاستثمار العام الذكي، والشراكات الإنتاجية." فلكي يستقر الدين لا بد أن يتجاوز النمو الحقيقي كلفة الاقتراض، وأن يتحقق فائض أولي معتدل ومستدام. لذلك، نشاهد حاليا بداية تحوّل في فلسفة الدولة الاقتصادية لننطلق من مبدأ “تصحيح السوق” إلى منطق “صناعة السوق" من قبل الحكومة.
كيف تتحول الدولة نحو الاقتصاد الموجَّه بالمهمّات؟ تحدد الدولة مهام وطنية كبرى تعبّئ حولها القطاعين العام والخاص، والجامعات، والتمويل الدولي. المهام ليست “مشاريع قطاعية”، بل تحديات وطنية طموحة تُحفّز الابتكار وتخلق أسواقًا جديدة، مثل تحقيق أمن مائي وطاقة متجددة مستدامة، رقمنة الخدمات الحكومية والتعليم، مضاعفة الصادرات الخدمية والإبداعية، وتمكين النساء والشباب في سوق العمل. فالدولة الريادية لا تُصلح فشل السوق فقط أو ترى مهمتها تعديل التشريعات، وهو نشاط لا نهائي في تاريخنا الاقتصادي، بل تبتكر وتخاطر لتخلق القيمة المضافة بدلا من أن تجمعها، فتولد السياسات قيمة اقتصادية واجتماعية حقيقية، لا أرباحًا مالية آنية، وتعتمد العدالة كرافعة للنمو من خلال الاستثمار في التعليم (كل دولة نجحت في تحقيق التنمية حسنت نظم التعليم فيها)، والصحة (الجسم السليم ضروري لتنمية التعليم وإنتاج العقل السليم)، والمساواة (لتحفيز واستدامة الطلب والإنتاجية معًا)، ووضع شراكات تعاقدية ذكية وشفافة بين الدولة والقطاع الخاص.
من هذه المهمات "تحقيق الأمن المائي والطاقي" شراكات تحلية المياه والطاقة الشمسية والغاز؛ إعادة هيكلة اتفاقيات الشراء؛ صندوق استثمار أخضر؛ تشريعات تحفيزية للابتكار في الكفاءة، لتقليل كلفة المياه والطاقة 30% خلال 10 سنوات. ومهمة "الاقتصاد الرقمي والإنتاجية" ورقمنة 100% من خدمات الحكومة والتجارة خلال 5 سنوات، من خلال مسرّعات رقمية، منصات مدفوعات موحدة، حاضنات أعمال تكنولوجية، تدريب 50 ألف شاب على مهارات الذكاء الاصطناعي والتحليل البياني. ومهمة "تنمية الصناعات الإبداعية والهوية الوطنية" من خلال مضاعفة مساهمة الصناعات الثقافية والإبداعية إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي وإيجاد مناطق إبداعية في عمّان والبترا، تمويل إنتاج رقمي وسينمائي، دمج الثقافة والتراث في السياحة، صناديق رأسمال جريء محلي لدعم تمويل هذه النشاطات. ومهمة "مشاركة المرأة والعدالة الاجتماعية" لرفع مشاركة النساء من 15% إلى 35% في سوق العمل، من خلال منح إعفاءات ضريبية للشركات الداعمة للتوظيف النسائي وحضانات أطفال في أماكن العمل، وتمويل مشاريع نسائية وحملات تحوّل ثقافي. ومهمة "زيادة التصدير والنمو الإقليمي" لزيادة الصادرات الخدمية والصناعية 50% خلال 7 سنوات، من خلال تسهيل التجارة مع الجوار، تطوير الخدمات اللوجستية والمناطق الصناعية، وتسهيل تمويل الصادرات.
نعم، يمكن للدولة قيادة الابتكار إذا وجّهت التمويل بعقلانية، كمهام صناعية وطنية مثل صناعة الالكترونيات كما فعلت كوريا الجنوبية، وتحسين التعليم التقني ركيزة للابتكار والوظائف عالية القيمة كما قامت به فنلندا بعد ازمة التسعينيات حيث ركزت على التعليم والتكنولوجيا، وإيجاد جهاز تنفيذي مرن ومساءلة عالية كما فعلت سنغافورة، والاستثمار في الطاقة النظيفة والسياحة الذكية كما فعلت البرتغال.
أما بالنسبة للاقتصاد الكلي فمن الضروري إعادة توجيه الإنفاق في السياسة المالية من الجوانب الجارية إلى الاستثمارات عالية المضاعِف (البنى التحتية الذكية، التعليم، الابتكار)، وتحقيق فائض أولي تصاعدي معتدل (حتى 2% من الناتج بحلول 2028) من دون خنق النمو، وتمويل موجَّه للمهمات الوطنية عبر صناديق استثمار وطنية، شراكات مع صناديق سيادية عربية، والتمويل الميسر من مؤسسات التنمية.
أيضا، في باب الاقتصاد الكلي وبالنسبة للسياسة النقدية، تستمر المحافظة على استقرار سعر الصرف والائتمان للحفاظ على الثقة بالعملة والدين وهي توجه هام جداً خدم استقرار القطاع الاقتصادي ككل، واتخاذ أسلوب التمويل الموجّه للقطاعات المنتجة الصغيرة والمتوسطة ضمن مهمات محددة (مياه، طاقة، رقمنة)، وتنويع أدوات الدين (سندات خضراء، صكوك تنموية) لجذب تمويلات طويلة الأجل منخفضة الكلفة.
مؤسسياً، يجب اعتماد حوكمة قائمة على الشفافية والمساءلة من خلال نشر عقود الشراكة، مؤشرات الأداء، وربط التمويل بالأداء ليقوم الدعم على نظام مكافأة للإنجاز في كل مهمة، واعتماد العائد الاجتماعي للاستثمار (Social Return on Investment) الذي يأخذ بعين الاعتبار الى ما تحققه المهام والمشاريع من تشغيل العمالة الأردنية وتقليل معدلات الفقر وتحقيق التنمية المستدامة بدلا من النظر الى العائد المحاسبي، فالحكومة ليست شركة ولا تدار كشركة ومصدر دخلها الضرائب وليس الربح.
يواجه الأردن معضلة مزدوجة تتمحور في تباطؤ النمو الحقيقي (بين 2%–3%) وارتفاع المديونية العامة إلى مستويات تفوق الناتج المحلي مما يجعل أيّ نمو يقل عن سعر الفائدة على الدين غير كافٍ لتقليص الدين أو خلق فرص العمل. كما أن التركيز على تقليل الانفاق في هذه المرحلة بدلا من تحسين نوعيته هو توجه خاطئ. لا يمكن خفض الدين عبر التقشّف فقط؛ بل عبر رفع النمو الإنتاجي الحقيقي من خلال الابتكار، والاستثمار العام الذكي، والشراكات الإنتاجية." فلكي يستقر الدين لا بد أن يتجاوز النمو الحقيقي كلفة الاقتراض، وأن يتحقق فائض أولي معتدل ومستدام. لذلك، نشاهد حاليا بداية تحوّل في فلسفة الدولة الاقتصادية لننطلق من مبدأ “تصحيح السوق” إلى منطق “صناعة السوق" من قبل الحكومة.
كيف تتحول الدولة نحو الاقتصاد الموجَّه بالمهمّات؟ تحدد الدولة مهام وطنية كبرى تعبّئ حولها القطاعين العام والخاص، والجامعات، والتمويل الدولي. المهام ليست “مشاريع قطاعية”، بل تحديات وطنية طموحة تُحفّز الابتكار وتخلق أسواقًا جديدة، مثل تحقيق أمن مائي وطاقة متجددة مستدامة، رقمنة الخدمات الحكومية والتعليم، مضاعفة الصادرات الخدمية والإبداعية، وتمكين النساء والشباب في سوق العمل. فالدولة الريادية لا تُصلح فشل السوق فقط أو ترى مهمتها تعديل التشريعات، وهو نشاط لا نهائي في تاريخنا الاقتصادي، بل تبتكر وتخاطر لتخلق القيمة المضافة بدلا من أن تجمعها، فتولد السياسات قيمة اقتصادية واجتماعية حقيقية، لا أرباحًا مالية آنية، وتعتمد العدالة كرافعة للنمو من خلال الاستثمار في التعليم (كل دولة نجحت في تحقيق التنمية حسنت نظم التعليم فيها)، والصحة (الجسم السليم ضروري لتنمية التعليم وإنتاج العقل السليم)، والمساواة (لتحفيز واستدامة الطلب والإنتاجية معًا)، ووضع شراكات تعاقدية ذكية وشفافة بين الدولة والقطاع الخاص.
من هذه المهمات "تحقيق الأمن المائي والطاقي" شراكات تحلية المياه والطاقة الشمسية والغاز؛ إعادة هيكلة اتفاقيات الشراء؛ صندوق استثمار أخضر؛ تشريعات تحفيزية للابتكار في الكفاءة، لتقليل كلفة المياه والطاقة 30% خلال 10 سنوات. ومهمة "الاقتصاد الرقمي والإنتاجية" ورقمنة 100% من خدمات الحكومة والتجارة خلال 5 سنوات، من خلال مسرّعات رقمية، منصات مدفوعات موحدة، حاضنات أعمال تكنولوجية، تدريب 50 ألف شاب على مهارات الذكاء الاصطناعي والتحليل البياني. ومهمة "تنمية الصناعات الإبداعية والهوية الوطنية" من خلال مضاعفة مساهمة الصناعات الثقافية والإبداعية إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي وإيجاد مناطق إبداعية في عمّان والبترا، تمويل إنتاج رقمي وسينمائي، دمج الثقافة والتراث في السياحة، صناديق رأسمال جريء محلي لدعم تمويل هذه النشاطات. ومهمة "مشاركة المرأة والعدالة الاجتماعية" لرفع مشاركة النساء من 15% إلى 35% في سوق العمل، من خلال منح إعفاءات ضريبية للشركات الداعمة للتوظيف النسائي وحضانات أطفال في أماكن العمل، وتمويل مشاريع نسائية وحملات تحوّل ثقافي. ومهمة "زيادة التصدير والنمو الإقليمي" لزيادة الصادرات الخدمية والصناعية 50% خلال 7 سنوات، من خلال تسهيل التجارة مع الجوار، تطوير الخدمات اللوجستية والمناطق الصناعية، وتسهيل تمويل الصادرات.
نعم، يمكن للدولة قيادة الابتكار إذا وجّهت التمويل بعقلانية، كمهام صناعية وطنية مثل صناعة الالكترونيات كما فعلت كوريا الجنوبية، وتحسين التعليم التقني ركيزة للابتكار والوظائف عالية القيمة كما قامت به فنلندا بعد ازمة التسعينيات حيث ركزت على التعليم والتكنولوجيا، وإيجاد جهاز تنفيذي مرن ومساءلة عالية كما فعلت سنغافورة، والاستثمار في الطاقة النظيفة والسياحة الذكية كما فعلت البرتغال.
أما بالنسبة للاقتصاد الكلي فمن الضروري إعادة توجيه الإنفاق في السياسة المالية من الجوانب الجارية إلى الاستثمارات عالية المضاعِف (البنى التحتية الذكية، التعليم، الابتكار)، وتحقيق فائض أولي تصاعدي معتدل (حتى 2% من الناتج بحلول 2028) من دون خنق النمو، وتمويل موجَّه للمهمات الوطنية عبر صناديق استثمار وطنية، شراكات مع صناديق سيادية عربية، والتمويل الميسر من مؤسسات التنمية.
أيضا، في باب الاقتصاد الكلي وبالنسبة للسياسة النقدية، تستمر المحافظة على استقرار سعر الصرف والائتمان للحفاظ على الثقة بالعملة والدين وهي توجه هام جداً خدم استقرار القطاع الاقتصادي ككل، واتخاذ أسلوب التمويل الموجّه للقطاعات المنتجة الصغيرة والمتوسطة ضمن مهمات محددة (مياه، طاقة، رقمنة)، وتنويع أدوات الدين (سندات خضراء، صكوك تنموية) لجذب تمويلات طويلة الأجل منخفضة الكلفة.
مؤسسياً، يجب اعتماد حوكمة قائمة على الشفافية والمساءلة من خلال نشر عقود الشراكة، مؤشرات الأداء، وربط التمويل بالأداء ليقوم الدعم على نظام مكافأة للإنجاز في كل مهمة، واعتماد العائد الاجتماعي للاستثمار (Social Return on Investment) الذي يأخذ بعين الاعتبار الى ما تحققه المهام والمشاريع من تشغيل العمالة الأردنية وتقليل معدلات الفقر وتحقيق التنمية المستدامة بدلا من النظر الى العائد المحاسبي، فالحكومة ليست شركة ولا تدار كشركة ومصدر دخلها الضرائب وليس الربح.