إعادة بناء الثقة والأمل .. الطريق للمشاركة الفعلية للشباب في الأحزاب الأردنية
يواجه الأردن اليوم معضلة واضحة بما يتعلق بجدية مشاركة الشباب في الحياة السياسية، فبينما يشكّل الشباب الغالبية العظمى من السكان، نجد أن حضورهم في الأحزاب السياسية ضعيفًا إلى حد الغياب، ورغم ما تم ويتم من إصلاحات تقوم بها الدولة بشكل مستمر لتعزيز وتنشيط الحياة الحزبية وتشجيع الانخراط فيها، إلا ان غالبية الشباب ظلت تنظر إلى الأحزاب كأنها كيانات بعيدة لا تعكس طموحاتهم وتطلعاتهم ولا تمثل طروحاتها أي أفكار تلامس همومهم بشكل جدي مما شَكل حالة تحد هامة تمس جوهر مشروع الإصلاح السياسي، إذ لا يمكن لأي إصلاح أن يكتمل من دون مشاركة فاعلة من الجيل الذي يمثّل مستقبل البلاد.
لفهم هذه المشكلة، لا بد من العودة إلى جذورها، فالأسباب بأغلبها تتعلق بالمشهد التقليدي لمسيرة الحياة السياسية السابقة، فقد كانت الساحة حافلة بأحزاب ضعيفة التنظيم ذات تأثير محدود في السياسات العامة،او انتماءات عشائرية وشخصية للكثير من الشباب تتقدم على الولاء الحزبي،علاوة على النظرة التقليدية للمشاركة السياسية التي لم تمنح الأحزاب الدور الذي يجعلها جاذبة للشباب. هذه العوامل البنيوية مهمةولكنها لا تشخص كامل أوجه المشكلة، فهناك بعد آخر يغيب غالبًا عن النقاش، هو البعد النفسي والسلوكي.
في نظريات العلوم السياسية، يفترض ان تلعب الأحزاب السياسية دوراً محورياً لتشكيل حلقة الوصل بين المجتمع والدولة وأن تعبّر عن صوت المواطنين، وأن تفتح أمامهم مسارات منظمة للعمل الجماعي،فالأحزاب الناجحة هي التي تطرح أهدافًا واضحة وترسم طرقًا عملية للوصول إليها، وتمنح أعضائها شعورًا بأن مشاركتهم تحدث فرقًا، وهذا بالضبط ما يجعل الشباب في أي مجتمع ينضمون إلى الأحزاب.. إيمانهم وثقتهم بأنها قادرة على حمل تطلعاتهم وتحويلها إلى فعل سياسي مؤثر.
لكن عندما تغيب هذه العناصر، يفقد الحزب هدفه، وهنا يمكن لعلم النفس والعلوم السلوكية أن يقدما تفسيرًا أعمق، ففي تسعينيات القرن الماضي، قدّم عالم النفس الأمريكي تشارلز سنايدر ما عُرف بـ "نظرية الأمل"، هذه النظرية لا ترى الأمل كمجرد إحساس داخلي، بل إطارًا يقوم على ثلاثة أعمدة رئيسية: وجود أهداف واضحة والإيمان بوجود مسارات واقعية لتحقيقها، والشعور بالقدرة على التأثير من خلال الفعل الفردي، و عند دراسة هذه النظرية من منظور سياسي نرى أن هذه الأعمدة الثلاثة هي التي ترسم ملامح السلوك الفردي قيما يتعلق بالمشاركة السياسية، فهي اما ان تدفع باتجاه. المشاركة أو تقود إلى العزوف والبعد عن الحياة السياسية.
من هذا المنظور، تظهر بوضوح مكامن ضعف الأحزاب الأردنية، فالأهداف التي ترفعها إما فضفاضة لا تلامس حياة الناس اليومية، أو غارقة في خطاب أيديولوجي قديم تقليدي مكرر لم يعد يتوافق ووعي الكثير من أبناء الجيل الحالي،وبعضها لا يتجاوز كونه مجرد تجمعات لفئات معينة قائمة على مصالح ضيقة بلا رؤية حقيقية للمستقبل مما إنعكس سلباً على مشاركة الشباب حيث إنعدم الإحساس بجدوى الانخراط في العمل الحزبي خاصة مع ضعف ثقتهم بالقدرة على التأثير الفردي، إذ يسود الاعتقاد أن قرارات الأحزاب تُتخذ في دوائر مغلقة بعيدًا عنهم، وأن وجودهم أو غيابهم لا يصنع فارقًا.
تغيير هذا الواقع يتطلب تحوّلًا في طريقة تفكير الأحزاب وخطابها،فعلى الأحزاب أن تطرح أهدافًا واضحة ترتبط مباشرة بتحديات الشباب اليومية، بعيدًا عن الشعارات العامة أو الاستقطابات التقليدية القديمة، وأن تمنحهم دورًا فعليًا في صياغة البرامج والسياسات، وتفتح أمامهم قنوات للتأثير الرقمي والميداني، وتتبنى لغة سياسية قريبة من اهتماماتهم، فقد اثبتت تجارب دولية عديدة إمكانية تطبيق ذلك، ففي ألمانيا وبريطانيا مثلًا، تمتلك الاحزاب منظمات شبابية تؤثر في صياغة البرامج وتُخرّج قيادات حزبية جديدة، وفي السويد أُعطي الشباب مواقع متقدمة في القوائم الانتخابية فأوصلوا نوابا دون الثلاثين إلى البرلمان، وتؤكد هذه الأمثلة أن تمكين الشباب ليس ترفًا بل مسارًا عمليًا يمكن تكييفه مع السياق الأردني، عبر إشراكهم المباشر في رسم أولويات الأحزاب، ومنحهم مواقع مؤثرة في دوائر القرار، وإظهار نتائج ملموسة لمبادرات يقودونها، بهذه الخطوات يمكن انتتحول المشاركة من شكلية إلى حقيقية، ويصبح الانخراط الحزبي تجربة تحمل الأمل والقناعة والثقة بدلًا من أن تكون واجبًا مفرغاً من معناه الحقيقي.
ما يحتاجه الأردن اليوم هو أحزاب تعيد الأمل إلى الحياة السياسة وليس أحزاب غارقة في معارك أيديولوجية تجاوزها الزمن، أو تجمعات محكومة بمصالح ضيقة، فالمطلوب فعليا" ان تكون مؤسسات قادرة على الإلهام والاحتواء والتمكين، فعندما تصبح الأحزاب مصدراً للأمل بمستقبل أفضل، يمكن أن يتحول العزوف إلى مشاركة، والشك إلى ثقة، واليأس إلى طاقة بناء.
يواجه الأردن اليوم معضلة واضحة بما يتعلق بجدية مشاركة الشباب في الحياة السياسية، فبينما يشكّل الشباب الغالبية العظمى من السكان، نجد أن حضورهم في الأحزاب السياسية ضعيفًا إلى حد الغياب، ورغم ما تم ويتم من إصلاحات تقوم بها الدولة بشكل مستمر لتعزيز وتنشيط الحياة الحزبية وتشجيع الانخراط فيها، إلا ان غالبية الشباب ظلت تنظر إلى الأحزاب كأنها كيانات بعيدة لا تعكس طموحاتهم وتطلعاتهم ولا تمثل طروحاتها أي أفكار تلامس همومهم بشكل جدي مما شَكل حالة تحد هامة تمس جوهر مشروع الإصلاح السياسي، إذ لا يمكن لأي إصلاح أن يكتمل من دون مشاركة فاعلة من الجيل الذي يمثّل مستقبل البلاد.
لفهم هذه المشكلة، لا بد من العودة إلى جذورها، فالأسباب بأغلبها تتعلق بالمشهد التقليدي لمسيرة الحياة السياسية السابقة، فقد كانت الساحة حافلة بأحزاب ضعيفة التنظيم ذات تأثير محدود في السياسات العامة،او انتماءات عشائرية وشخصية للكثير من الشباب تتقدم على الولاء الحزبي،علاوة على النظرة التقليدية للمشاركة السياسية التي لم تمنح الأحزاب الدور الذي يجعلها جاذبة للشباب. هذه العوامل البنيوية مهمةولكنها لا تشخص كامل أوجه المشكلة، فهناك بعد آخر يغيب غالبًا عن النقاش، هو البعد النفسي والسلوكي.
في نظريات العلوم السياسية، يفترض ان تلعب الأحزاب السياسية دوراً محورياً لتشكيل حلقة الوصل بين المجتمع والدولة وأن تعبّر عن صوت المواطنين، وأن تفتح أمامهم مسارات منظمة للعمل الجماعي،فالأحزاب الناجحة هي التي تطرح أهدافًا واضحة وترسم طرقًا عملية للوصول إليها، وتمنح أعضائها شعورًا بأن مشاركتهم تحدث فرقًا، وهذا بالضبط ما يجعل الشباب في أي مجتمع ينضمون إلى الأحزاب.. إيمانهم وثقتهم بأنها قادرة على حمل تطلعاتهم وتحويلها إلى فعل سياسي مؤثر.
لكن عندما تغيب هذه العناصر، يفقد الحزب هدفه، وهنا يمكن لعلم النفس والعلوم السلوكية أن يقدما تفسيرًا أعمق، ففي تسعينيات القرن الماضي، قدّم عالم النفس الأمريكي تشارلز سنايدر ما عُرف بـ "نظرية الأمل"، هذه النظرية لا ترى الأمل كمجرد إحساس داخلي، بل إطارًا يقوم على ثلاثة أعمدة رئيسية: وجود أهداف واضحة والإيمان بوجود مسارات واقعية لتحقيقها، والشعور بالقدرة على التأثير من خلال الفعل الفردي، و عند دراسة هذه النظرية من منظور سياسي نرى أن هذه الأعمدة الثلاثة هي التي ترسم ملامح السلوك الفردي قيما يتعلق بالمشاركة السياسية، فهي اما ان تدفع باتجاه. المشاركة أو تقود إلى العزوف والبعد عن الحياة السياسية.
من هذا المنظور، تظهر بوضوح مكامن ضعف الأحزاب الأردنية، فالأهداف التي ترفعها إما فضفاضة لا تلامس حياة الناس اليومية، أو غارقة في خطاب أيديولوجي قديم تقليدي مكرر لم يعد يتوافق ووعي الكثير من أبناء الجيل الحالي،وبعضها لا يتجاوز كونه مجرد تجمعات لفئات معينة قائمة على مصالح ضيقة بلا رؤية حقيقية للمستقبل مما إنعكس سلباً على مشاركة الشباب حيث إنعدم الإحساس بجدوى الانخراط في العمل الحزبي خاصة مع ضعف ثقتهم بالقدرة على التأثير الفردي، إذ يسود الاعتقاد أن قرارات الأحزاب تُتخذ في دوائر مغلقة بعيدًا عنهم، وأن وجودهم أو غيابهم لا يصنع فارقًا.
تغيير هذا الواقع يتطلب تحوّلًا في طريقة تفكير الأحزاب وخطابها،فعلى الأحزاب أن تطرح أهدافًا واضحة ترتبط مباشرة بتحديات الشباب اليومية، بعيدًا عن الشعارات العامة أو الاستقطابات التقليدية القديمة، وأن تمنحهم دورًا فعليًا في صياغة البرامج والسياسات، وتفتح أمامهم قنوات للتأثير الرقمي والميداني، وتتبنى لغة سياسية قريبة من اهتماماتهم، فقد اثبتت تجارب دولية عديدة إمكانية تطبيق ذلك، ففي ألمانيا وبريطانيا مثلًا، تمتلك الاحزاب منظمات شبابية تؤثر في صياغة البرامج وتُخرّج قيادات حزبية جديدة، وفي السويد أُعطي الشباب مواقع متقدمة في القوائم الانتخابية فأوصلوا نوابا دون الثلاثين إلى البرلمان، وتؤكد هذه الأمثلة أن تمكين الشباب ليس ترفًا بل مسارًا عمليًا يمكن تكييفه مع السياق الأردني، عبر إشراكهم المباشر في رسم أولويات الأحزاب، ومنحهم مواقع مؤثرة في دوائر القرار، وإظهار نتائج ملموسة لمبادرات يقودونها، بهذه الخطوات يمكن انتتحول المشاركة من شكلية إلى حقيقية، ويصبح الانخراط الحزبي تجربة تحمل الأمل والقناعة والثقة بدلًا من أن تكون واجبًا مفرغاً من معناه الحقيقي.
ما يحتاجه الأردن اليوم هو أحزاب تعيد الأمل إلى الحياة السياسة وليس أحزاب غارقة في معارك أيديولوجية تجاوزها الزمن، أو تجمعات محكومة بمصالح ضيقة، فالمطلوب فعليا" ان تكون مؤسسات قادرة على الإلهام والاحتواء والتمكين، فعندما تصبح الأحزاب مصدراً للأمل بمستقبل أفضل، يمكن أن يتحول العزوف إلى مشاركة، والشك إلى ثقة، واليأس إلى طاقة بناء.