الأردن يذكّر العالم بكارثة غزة: من جهود الملك إلى مأساة تغيبها الحرب بين إيران وإسرائيل
بينما تشتد نيران الصراع بين إيران وإسرائيل وتجذب انتباه العالم السياسي والإعلامي، يواصل الأردن، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، ومعه الحكومة والشعب الأردني، جهوده الدؤوبة لتذكير المجتمع الدولي بالمأساة الإنسانية المتواصلة في قطاع غزة.
فمنذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر 2023، لم تتوقف تحركات جلالة الملك في المحافل الدولية، إذ حذّر مراراً من التبعات الكارثية للصمت الدولي، داعياً إلى وقف فوري لإطلاق النار، ورفع الحصار، وتأمين ممرات إنسانية لإيصال الإغاثة إلى المدنيين المحاصرين. كما استخدمت الدبلوماسية الأردنية كافة قنواتها في الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، والجامعة العربية، والدول المؤثرة عالمياً، لتسليط الضوء على الكارثة المستمرة في القطاع.
وفي الشارع الأردني، تتواصل الفعاليات الشعبية والنقابية والطلابية، التي تعكس تضامناً راسخاً مع الشعب الفلسطيني، وتؤكد أن القضية الفلسطينية ستبقى حية في وجدان الأردنيين، مهما حاولت الأزمات الإقليمية الأخرى طمسها.
لكن ورغم هذه الجهود، يزداد التجاهل العالمي لغزة يوماً بعد يوم.
فبينما تركز الكاميرات والعواصم الكبرى على تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل، تتراجع مأساة غزة في سلم أولويات السياسة والإعلام الدوليين. الحرب التي صنّفها محللون كواحدة من أكثر الحملات العسكرية دموية وتدميراً في العصر الحديث، باتت خبراً هامشيًا. الغارات الجوية، والمجاعة، والنزوح الجماعي لم تتوقف—بل تم فقط دفعها إلى خلفية المشهد الدولي. وهذا التراجع في الاهتمام ليس بريئاً، بل يعكس أحيانًا حسابات سياسية باردة.
الصراع الإيراني الإسرائيلي لا شك في أهميته، بما يحمله من تهديد لتوازن القوى في الشرق الأوسط وتأثير مباشر على أمن الطاقة والأسواق العالمية. إلا أن هذا الصراع بات يشكل ستار دخان يموّه جريمة مستمرة في غزة. بينما يحاول العالم احتواء التصعيد بين طهران وتل أبيب، يشتعل حريق أكثر بطأً وأشد تدميراً في غزة، حيث الملايين، وفي مقدمتهم الأطفال، محاصرون بلا غذاء ولا دواء ولا أمل.
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، قُتل أكثر من 55 ألف فلسطيني بحسب السلطات الصحية في غزة. سُوِّيت أحياء بأكملها بالأرض، وتعرضت المستشفيات للقصف، وانهارت البنية التحتية تحت وطأة الحصار المتواصل. كما حذرت منظمات إنسانية دولية، بينها برنامج الأغذية العالمي، من مجاعة وشيكة نتيجة منع دخول المساعدات واستهداف المنشآت المدنية.
لكن مع احتدام الأزمة بين إسرائيل وإيران، بدأت ملامح الصدمة الدولية تخفت، وتحولت الإدانات الصريحة إلى تعبيرات دبلوماسية باهتة. تباطأت مداولات الأمم المتحدة حول جرائم الحرب، وتراجعت تغطية كبرى وسائل الإعلام الغربية للأحداث في غزة لصالح التركيز على احتمالات "الحرب الكبرى" بين دولتين إقليميتين.
هذا التحول ليس مجرد انعكاس لضغط التغطية الإخبارية، بل هو أيضاً توظيف سياسي متقن. فإسرائيل تجد في هذا التصعيد فرصة لإعادة صياغة سرديتها، مقدّمة نفسها كضحية لتهديد وجودي من "محور الإرهاب" المتمثل في حماس، وحزب الله، وإيران. وهكذا، يُعاد تبرير العدوان على غزة باعتباره جزءاً من "الدفاع المشروع"، وتتراجع الدعوات للمحاسبة، وتتأجل الضغوط لوقف الانتهاكات.
الإدارة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية استخدموا الأزمة الإيرانية الإسرائيلية كذريعة لتجميد مطالبات طال انتظارها بفرض حظر أسلحة أو إطلاق تحقيقات مستقلة في الانتهاكات الإسرائيلية. تَسوق هذه الدول خطاباً يركز على "تهدئة الإقليم" وتجنب "حرب أوسع"، في حين أن الحرب على غزة باتت بالفعل أوسع من أن تُحتمل. حياة الناس لا يمكن أن توضع في حالة تعليق لأن بعض العواصم مشغولة بحسابات النفط أو أمن الممرات المائية.
وقد لوحظ في أكثر من مرة أن تصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية على غزة يتزامن مع أحداث تشغل الرأي العام العالمي، مثل القصف الواسع على رفح الذي جاء بينما كانت الأخبار العالمية تتابع تطورات التصعيد مع إيران. النتيجة: تراجع الضغط الدولي، وانخفاض الغضب، وتجميد قرارات المساءلة.
وبينما يُغيّب الإعلام عيون العالم عن غزة، تتأخر المساعدات الإنسانية بفعل تبدل أولويات الدول المانحة. المراسلون الأجانب يغادرون القطاع باتجاه تل أبيب أو بيروت، وتخبو المنشورات الداعمة لغزة على وسائل التواصل الاجتماعي تحت ضغط "الترندات" الجديدة.
لكن المشكلة ليست إعلامية فقط، بل أخلاقية بالدرجة الأولى.
من الخطر أن يقبل العالم، ضمناً، بمبدأ أن "بعض الأرواح أقل قيمة". من الخطر أن تُؤجل العدالة لأن الجاني يمتلك نفوذاً سياسياً أو عسكرياً. من الخطر أن يصبح الإفلات من العقاب أمراً مألوفاً.
علينا أن نقاوم هذا التواطؤ الصامت. لا بد للمجتمع المدني، والإعلاميين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، أن يضاعفوا جهودهم لإبقاء غزة في الواجهة. لا يجوز للأصوات التي كانت جريئة في البداية أن تصمت الآن. يجب أن نعيد التأكيد بأن غزة ليست قضية ثانوية، بل جوهرية.
كما يجب على الحكومات التي تدّعي الدفاع عن القانون الدولي ألا تتخذ من صراع إيران وإسرائيل ستاراً للهروب من مسؤولياتها تجاه غزة. لا بد من دعم التحقيقات، وضمان إيصال المساعدات، وربط أي دعم عسكري لاحق باحترام حقوق الإنسان.
إن إنسانيتنا، كأفراد ودول ومجتمعات، لا يجب أن تكون مرهونة باعتبارات سياسية أو زخم إعلامي. إن كنا نؤمن حقاً بالسلام والعدالة وكرامة الإنسان، فيجب أن نواصل التذكير بأن غزة تنزف، وأنها لا تتحمل مزيداً من التجاهل.
فالطريق إلى السلام لا يمكن أن يُعبَّد على جماجم الأطفال، ولا يمكن أن يمر من فوق ركام المستشفيات والمنازل. وحتى يستفيق الضمير العالمي من سباته الانتقائي، ستستمر المأساة—بصمت، ولكن بلا رحمة.
بينما تشتد نيران الصراع بين إيران وإسرائيل وتجذب انتباه العالم السياسي والإعلامي، يواصل الأردن، بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، ومعه الحكومة والشعب الأردني، جهوده الدؤوبة لتذكير المجتمع الدولي بالمأساة الإنسانية المتواصلة في قطاع غزة.
فمنذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر 2023، لم تتوقف تحركات جلالة الملك في المحافل الدولية، إذ حذّر مراراً من التبعات الكارثية للصمت الدولي، داعياً إلى وقف فوري لإطلاق النار، ورفع الحصار، وتأمين ممرات إنسانية لإيصال الإغاثة إلى المدنيين المحاصرين. كما استخدمت الدبلوماسية الأردنية كافة قنواتها في الأمم المتحدة، ومنظمة التعاون الإسلامي، والجامعة العربية، والدول المؤثرة عالمياً، لتسليط الضوء على الكارثة المستمرة في القطاع.
وفي الشارع الأردني، تتواصل الفعاليات الشعبية والنقابية والطلابية، التي تعكس تضامناً راسخاً مع الشعب الفلسطيني، وتؤكد أن القضية الفلسطينية ستبقى حية في وجدان الأردنيين، مهما حاولت الأزمات الإقليمية الأخرى طمسها.
لكن ورغم هذه الجهود، يزداد التجاهل العالمي لغزة يوماً بعد يوم.
فبينما تركز الكاميرات والعواصم الكبرى على تصاعد المواجهة بين إيران وإسرائيل، تتراجع مأساة غزة في سلم أولويات السياسة والإعلام الدوليين. الحرب التي صنّفها محللون كواحدة من أكثر الحملات العسكرية دموية وتدميراً في العصر الحديث، باتت خبراً هامشيًا. الغارات الجوية، والمجاعة، والنزوح الجماعي لم تتوقف—بل تم فقط دفعها إلى خلفية المشهد الدولي. وهذا التراجع في الاهتمام ليس بريئاً، بل يعكس أحيانًا حسابات سياسية باردة.
الصراع الإيراني الإسرائيلي لا شك في أهميته، بما يحمله من تهديد لتوازن القوى في الشرق الأوسط وتأثير مباشر على أمن الطاقة والأسواق العالمية. إلا أن هذا الصراع بات يشكل ستار دخان يموّه جريمة مستمرة في غزة. بينما يحاول العالم احتواء التصعيد بين طهران وتل أبيب، يشتعل حريق أكثر بطأً وأشد تدميراً في غزة، حيث الملايين، وفي مقدمتهم الأطفال، محاصرون بلا غذاء ولا دواء ولا أمل.
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على القطاع، قُتل أكثر من 55 ألف فلسطيني بحسب السلطات الصحية في غزة. سُوِّيت أحياء بأكملها بالأرض، وتعرضت المستشفيات للقصف، وانهارت البنية التحتية تحت وطأة الحصار المتواصل. كما حذرت منظمات إنسانية دولية، بينها برنامج الأغذية العالمي، من مجاعة وشيكة نتيجة منع دخول المساعدات واستهداف المنشآت المدنية.
لكن مع احتدام الأزمة بين إسرائيل وإيران، بدأت ملامح الصدمة الدولية تخفت، وتحولت الإدانات الصريحة إلى تعبيرات دبلوماسية باهتة. تباطأت مداولات الأمم المتحدة حول جرائم الحرب، وتراجعت تغطية كبرى وسائل الإعلام الغربية للأحداث في غزة لصالح التركيز على احتمالات "الحرب الكبرى" بين دولتين إقليميتين.
هذا التحول ليس مجرد انعكاس لضغط التغطية الإخبارية، بل هو أيضاً توظيف سياسي متقن. فإسرائيل تجد في هذا التصعيد فرصة لإعادة صياغة سرديتها، مقدّمة نفسها كضحية لتهديد وجودي من "محور الإرهاب" المتمثل في حماس، وحزب الله، وإيران. وهكذا، يُعاد تبرير العدوان على غزة باعتباره جزءاً من "الدفاع المشروع"، وتتراجع الدعوات للمحاسبة، وتتأجل الضغوط لوقف الانتهاكات.
الإدارة الأمريكية وعدد من الدول الأوروبية استخدموا الأزمة الإيرانية الإسرائيلية كذريعة لتجميد مطالبات طال انتظارها بفرض حظر أسلحة أو إطلاق تحقيقات مستقلة في الانتهاكات الإسرائيلية. تَسوق هذه الدول خطاباً يركز على "تهدئة الإقليم" وتجنب "حرب أوسع"، في حين أن الحرب على غزة باتت بالفعل أوسع من أن تُحتمل. حياة الناس لا يمكن أن توضع في حالة تعليق لأن بعض العواصم مشغولة بحسابات النفط أو أمن الممرات المائية.
وقد لوحظ في أكثر من مرة أن تصعيد العمليات العسكرية الإسرائيلية على غزة يتزامن مع أحداث تشغل الرأي العام العالمي، مثل القصف الواسع على رفح الذي جاء بينما كانت الأخبار العالمية تتابع تطورات التصعيد مع إيران. النتيجة: تراجع الضغط الدولي، وانخفاض الغضب، وتجميد قرارات المساءلة.
وبينما يُغيّب الإعلام عيون العالم عن غزة، تتأخر المساعدات الإنسانية بفعل تبدل أولويات الدول المانحة. المراسلون الأجانب يغادرون القطاع باتجاه تل أبيب أو بيروت، وتخبو المنشورات الداعمة لغزة على وسائل التواصل الاجتماعي تحت ضغط "الترندات" الجديدة.
لكن المشكلة ليست إعلامية فقط، بل أخلاقية بالدرجة الأولى.
من الخطر أن يقبل العالم، ضمناً، بمبدأ أن "بعض الأرواح أقل قيمة". من الخطر أن تُؤجل العدالة لأن الجاني يمتلك نفوذاً سياسياً أو عسكرياً. من الخطر أن يصبح الإفلات من العقاب أمراً مألوفاً.
علينا أن نقاوم هذا التواطؤ الصامت. لا بد للمجتمع المدني، والإعلاميين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، أن يضاعفوا جهودهم لإبقاء غزة في الواجهة. لا يجوز للأصوات التي كانت جريئة في البداية أن تصمت الآن. يجب أن نعيد التأكيد بأن غزة ليست قضية ثانوية، بل جوهرية.
كما يجب على الحكومات التي تدّعي الدفاع عن القانون الدولي ألا تتخذ من صراع إيران وإسرائيل ستاراً للهروب من مسؤولياتها تجاه غزة. لا بد من دعم التحقيقات، وضمان إيصال المساعدات، وربط أي دعم عسكري لاحق باحترام حقوق الإنسان.
إن إنسانيتنا، كأفراد ودول ومجتمعات، لا يجب أن تكون مرهونة باعتبارات سياسية أو زخم إعلامي. إن كنا نؤمن حقاً بالسلام والعدالة وكرامة الإنسان، فيجب أن نواصل التذكير بأن غزة تنزف، وأنها لا تتحمل مزيداً من التجاهل.
فالطريق إلى السلام لا يمكن أن يُعبَّد على جماجم الأطفال، ولا يمكن أن يمر من فوق ركام المستشفيات والمنازل. وحتى يستفيق الضمير العالمي من سباته الانتقائي، ستستمر المأساة—بصمت، ولكن بلا رحمة.