وجهات نظر

هل يحتاج التحديث السياسي إلى مراجعة؟

هل يحتاج التحديث السياسي إلى مراجعة؟


تمضي لجان التحديث الاقتصادي في عملية مكثفة وطويلة لمراجعة الرؤية التي أطلقتها قبل ثلاث سنوات، لتقييم وتحديث مخرجاتها بما يتناسب والمتغيرات، وبما يضمن وضع برنامج تنفيذي للسنوات الثلاث المقبلة، يأخذ في عين الاعتبار، تجربة التطبيق خلال الفترة السابقة، واحتياجات المستقبل.

يخطر في البال سؤال عن مخرجات اللجنة الملكية للتحديث السياسي، ما إذا كانت هى الأخرى تحتاج لمراجعة وتقييم، بعد مرور نحو أربع سنوات على إطلاقها ودخولها حيز التنفيذ.

قدمت اللجنة في الأساس مسودة قانونين للانتخاب والأحزاب، بالإضافة إلى حزمة توصيات مهمة تتعلق بالحكم المحلي، وهى قيد النظر حاليا من طرف الحكومة للاستئناس بها في إعداد مشروع قانون الإدارة المحلية. وورقتان الأولى عن دور الشباب والثانية عن دور المرأة في الحياة السياسية. ولا ننسى بالطبع التوصية الخاصة بإجراء بعض التعديلات الدستورية، التي تم إنجازها فعلا.

قانونا الانتخاب والأحزاب دخلا مرحلة الاختبار العملي، في الانتخابات النيابية الأخيرة، إذ تم تطبيق نظام القائمة العامة الحزبية في مرحلته الأولى. وسبق ذلك تشكيل أحزاب جديدة خاضت غمار الانتخابات، نجح عدد منها بالفوز بمقاعد نيابية وأخفقت أخرى في اجتياز العتبة.

التجربة الحزبية البرلمانية في مرحلتها الأولى، حظيت بنقاش واسع قبل الانتخابات وبعدها، وما تزال محل جدل كبير. وثمة أسئلة كثيرة حول هذه التجربة، ومدى نجاحها، والمشاكل التي رافقتها، ومخرجات العملية الانتخابية، هذا إلى جانب السؤال عن مدى قدرتنا على الانتقال إلى المرحلة الثانية في الانتخابات النيابية المقبلة، والذي تقضي حسب القانون بزيادة حصة القائمة العامة الحزبية من مقاعد المجلس.

وبالاختبار العملي، تبين أن هناك مواد في القانونين تستدعي النظر والمراجعة، بعدما ظهرت عيوبها في الممارسة العملية. وهنا ينبغي الإشارة إلى المادة المتعلقة بالعتبة ونسبتها، في ضوء ماظهر من نتائج ونسب مشاركة في الانتخابات.

صحيح أن اللجنة الملكية أنهت أعمالها بالمعنى المباشر، وأنجزت المهمة التي كلفها بها جلالة الملك. وليس المطلوب منها أن تقدم تشريعات جديدة، لكن ما الذي يحول دون أن تعقد لجانها الفرعية جلسات تشاورية على غرار اجتماعات لجنة التحديث الاقتصادي، لتقييم تجربة التحديث السياسي، قبل الانتقال للمرحلة الثانية،أو اقتراح تعديلات على قانوني الانتخاب والأحزاب؟

وتستطيع اللجان الفرعية في نهاية اجتماعاتها أن تقدم جملة اقتراحات للحكومة تسترشد فيها عند النظر في أي تعديل على التشريعات أو السياسات الخاصة بمجمل عملية التحديث السياسي.

التحديث السياسي في الأردن مثل الاقتصادي، يتأثر بالظروف والمتغيرات من حولنا، وبالتطورات الداخلية على الصعيد السياسي، والتي لم تكن أقل إثارة في هذه المرحلة، بعد انكشاف البنية السرية للتنظيم الإخواني، وعلاقاته المتداخلة مع "ذراعه السياسي" حزب جبهة العمل الإسلامي.

كل هذه المتغيرات تستدعي مراجعة أعمق لبعض من الفرضيات التي قامت عليها منظمومة التحديث السياسي، وما تشعب عنها من سياسات خاصة بقطاعات الشباب والنساء، ودور الهيئة المستقلة للانتخاب في تطبيق القوانين الخاصة بالعمل الحزبي، والرقابة على أعمال تلك الأحزاب ونشاطاتها المالية وعلاقاتها الخارجية.

تجربة التحديث السياسي، ينبغي ألا تمضي هكذا دون تقييم. ثمة دروس تعلمناها في المرحلة الأولى، لا بد من مراجعتها، لنتأكد أن العملية تسير على الطريق الصحيح.