حل «جماعة الإخوان المسلمين» المرخصة
في تطور قانوني وسياسي لافت، أعلن مجلس شورى جمعية جماعة الإخوان المسلمين المرخصة قبل أيام عن حل الجمعية ذاتيا، وتفويض المكتب التنفيذي بمتابعة كافة الإجراءات القانونية اللازمة لذلك. فعلى خلاف الجماعة المحظورة التي قرر القضاء الأردني في عام 2020 اعتبارها كيانا غير مشروع وتم حظرها بموجب قرارات حكومية صدرت قبل أشهر قليلة، فإن قرار الجماعة المرخصة بحل نفسها يعتبر إجراء داخليا محضا وليس قرارا إداريا صادرا عن أي من الجهات الحكومية ذات الصلة، أو تنفيذا لحكم قضائي أو عقوبة جزائية.
فقانون الجمعيات رقم (51) لسنة 2008، الذي تأسست بموجبه جمعية جماعة الإخوان المسلمين في عام 2015، يعطي الحق لكل جمعية بأن تقوم بحل نفسها وفق الإجراءات الخاصة بذلك، حيث تنص المادة (7) من القانون على الأحكام الواجب توافرها في النظام الأساسي لكل جمعية، والذي يجري تقديمه مع طلب التأسيس إلى أمين سجل الجمعيات، والتي من ضمنها «كيفية حل الجمعية وأيلولة أموالها».
كما يتضمن النظام المحدد لأحكام الأنظمة الأساسية للجمعيات رقم (57) لسنة 2010 نصوصا تشريعية تعطي لكل جمعية قائمة الحق في حل نفسها اختياريا وفق إجراءات محددة، وبعد صدور قرار بذلك عن الهيئة العامة في اجتماعها غير العادي.
إن هذا التوقف الاختياري الدائم عن العمل من قبل الجمعية المشروعة لا يتعارض مع المادة (16) من الدستور التي تكفل للأردنيين الحق في تأليف الجمعيات ضمن حدود القانون. فقانون الجمعيات الذي صدر لهذه الغاية قد تضمن نصوصا صريحة لتنظيم إنشاء الجمعيات، وأخرى تتيح لأي جمعية أن تحل نفسها طوعا بقرار من هيئتها العامة أو مجلسها القيادي وفق أحكام نظامها الداخلي. بالتالي، يكون الحل الذاتي الذي قامت به الجمعية المرخصة إجراء قانونيا سليما لا يثير أية إشكالية دستورية.
في المقابل، فإن هذا الحل الطوعي للجمعية المرخصة يختلف عن الحل الإجباري للجمعيات الذي يصدر بقرار عن مجلس إدارة سجل الجمعيات بناء على تنسيب من وزير التنمية الاجتماعية في حالات محددة على سبيل الحصر، أهمها تعذر انتخاب هيئة إدارة للجمعية، أو قبولها تمويل من أشخاص غير أردنيين وبشكل يخالف أحكام القانون، أو الإصرار على مخالفة القانون رغم إنذارها خطيا بذلك.
كما حددت المادة (20) من قانون الجمعيات حالات معينة تعتبر عندها الجمعية منحلة حكما دون الحاجة لصدور قرار إداري بهذا الخصوص، أهمها عدم مباشرة الجمعية لأعمالها أو توقفها عن ممارستها لمدة سنة ميلادية، أو عدم قيامها بتصويب أوضاعها وفق أحكام القانون.
وإذا ما كان قرار حل جمعية جماعة الإخوان المسلمين المرخصة مشروعا من الناحية القانونية، فإنه يثير تساؤلات سياسية حول توقيته والأسباب التي دفعت هذه الجماعة إلى الخروج من المشهد السياسي، على الرغم من أنها لم تكن في حالة صدام أو خلاف عميق مع مؤسسات الدولة وأجهزتها التنفيذية.
وقد قدمت الجماعة مبرراتها لحل نفسها في بيانها الصحفي المقتضب الصادر عنها، والذي جاء فيه أنه «في ظل التطورات السياسية الراهنة، ولأن الجمعية تقع تحت وصاية اسم ومفاهيم مثيرة للجدل... فإننا نعلن حل أنفسنا كجمعية مرخصة قانونيا». فهذه العبارات تشير إلى أن الجماعة المرخصة قد دفعت ثمن تشابه اسمها مع الجماعة المحظورة، والتي تُظهر التحقيقات القضائية الأولية حجم المخالفات والتجاوزات المالية والإدارية التي كان يتم ارتكابها من قبل جماعة الإخوان المسلمين.
كما أن الاكتشافات الأخيرة المتعلقة بالأموال والتبرعات التي حصلت عليها الجماعة المحظورة واستخدامها لأغراض أقل ما يمكن القول عنها بأنها غير مرتبطة بالغاية التي أنشئت من أجل تحقيقها، قد ألقى بظلاله على عمل الجمعية المرخصة، والتي اعترفت صراحة بأنها «تقع تحت وصاية اسم مثير للجدل». فهذه الجمعية قد أضحى ممارستها لعملها أكثر صعوبة وتعقيدا بالأخص في مجال تلقي التبرعات والهبات المالية، ناهيك عن تراجع الثقة الشعبية بالحركات الإسلامية، فلم تعد قادرة على الاستمرار ككيان قانوني بعد أن تقطعت بها الصلات التنظيمية والاجتماعية والسياسية.
ويبقى الجزء الآخر من البيان الصحفي للجمعية المنحلة ذاتيا والذي أعلنت فيه «حل نفسها انسجاما مع وطنيتها وانتمائها للأردن ووفائها للقيادة الهاشمية»، ففي هذه العبارة إشارة واضحة إلى اصطفاف الجمعية مع أولويات الدولة، لا سيما بعد سلسلة القرارات الحكومية التي صدرت في مواجهة الجماعة المحظورة ومصادرة أموالها ومقراتها.
إن قرار حل جمعية جماعة الإخوان المسلمين المرخصة يمثل نقطة مفصلية في تاريخ العلاقة بين الدولة والتنظيمات الإسلامية. فهو وإن صدر من داخل الجمعية وبإرادتها المنفردة، إلا أنه يعكس توافقا ضمنيا مع توجه الدولة الأردنية نحو إنهاء المرحلة الرمادية التي عملت فيها كيانات تحت شعارات دينية دون وضوح في الوظيفة والهدف.
أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
في تطور قانوني وسياسي لافت، أعلن مجلس شورى جمعية جماعة الإخوان المسلمين المرخصة قبل أيام عن حل الجمعية ذاتيا، وتفويض المكتب التنفيذي بمتابعة كافة الإجراءات القانونية اللازمة لذلك. فعلى خلاف الجماعة المحظورة التي قرر القضاء الأردني في عام 2020 اعتبارها كيانا غير مشروع وتم حظرها بموجب قرارات حكومية صدرت قبل أشهر قليلة، فإن قرار الجماعة المرخصة بحل نفسها يعتبر إجراء داخليا محضا وليس قرارا إداريا صادرا عن أي من الجهات الحكومية ذات الصلة، أو تنفيذا لحكم قضائي أو عقوبة جزائية.
فقانون الجمعيات رقم (51) لسنة 2008، الذي تأسست بموجبه جمعية جماعة الإخوان المسلمين في عام 2015، يعطي الحق لكل جمعية بأن تقوم بحل نفسها وفق الإجراءات الخاصة بذلك، حيث تنص المادة (7) من القانون على الأحكام الواجب توافرها في النظام الأساسي لكل جمعية، والذي يجري تقديمه مع طلب التأسيس إلى أمين سجل الجمعيات، والتي من ضمنها «كيفية حل الجمعية وأيلولة أموالها».
كما يتضمن النظام المحدد لأحكام الأنظمة الأساسية للجمعيات رقم (57) لسنة 2010 نصوصا تشريعية تعطي لكل جمعية قائمة الحق في حل نفسها اختياريا وفق إجراءات محددة، وبعد صدور قرار بذلك عن الهيئة العامة في اجتماعها غير العادي.
إن هذا التوقف الاختياري الدائم عن العمل من قبل الجمعية المشروعة لا يتعارض مع المادة (16) من الدستور التي تكفل للأردنيين الحق في تأليف الجمعيات ضمن حدود القانون. فقانون الجمعيات الذي صدر لهذه الغاية قد تضمن نصوصا صريحة لتنظيم إنشاء الجمعيات، وأخرى تتيح لأي جمعية أن تحل نفسها طوعا بقرار من هيئتها العامة أو مجلسها القيادي وفق أحكام نظامها الداخلي. بالتالي، يكون الحل الذاتي الذي قامت به الجمعية المرخصة إجراء قانونيا سليما لا يثير أية إشكالية دستورية.
في المقابل، فإن هذا الحل الطوعي للجمعية المرخصة يختلف عن الحل الإجباري للجمعيات الذي يصدر بقرار عن مجلس إدارة سجل الجمعيات بناء على تنسيب من وزير التنمية الاجتماعية في حالات محددة على سبيل الحصر، أهمها تعذر انتخاب هيئة إدارة للجمعية، أو قبولها تمويل من أشخاص غير أردنيين وبشكل يخالف أحكام القانون، أو الإصرار على مخالفة القانون رغم إنذارها خطيا بذلك.
كما حددت المادة (20) من قانون الجمعيات حالات معينة تعتبر عندها الجمعية منحلة حكما دون الحاجة لصدور قرار إداري بهذا الخصوص، أهمها عدم مباشرة الجمعية لأعمالها أو توقفها عن ممارستها لمدة سنة ميلادية، أو عدم قيامها بتصويب أوضاعها وفق أحكام القانون.
وإذا ما كان قرار حل جمعية جماعة الإخوان المسلمين المرخصة مشروعا من الناحية القانونية، فإنه يثير تساؤلات سياسية حول توقيته والأسباب التي دفعت هذه الجماعة إلى الخروج من المشهد السياسي، على الرغم من أنها لم تكن في حالة صدام أو خلاف عميق مع مؤسسات الدولة وأجهزتها التنفيذية.
وقد قدمت الجماعة مبرراتها لحل نفسها في بيانها الصحفي المقتضب الصادر عنها، والذي جاء فيه أنه «في ظل التطورات السياسية الراهنة، ولأن الجمعية تقع تحت وصاية اسم ومفاهيم مثيرة للجدل... فإننا نعلن حل أنفسنا كجمعية مرخصة قانونيا». فهذه العبارات تشير إلى أن الجماعة المرخصة قد دفعت ثمن تشابه اسمها مع الجماعة المحظورة، والتي تُظهر التحقيقات القضائية الأولية حجم المخالفات والتجاوزات المالية والإدارية التي كان يتم ارتكابها من قبل جماعة الإخوان المسلمين.
كما أن الاكتشافات الأخيرة المتعلقة بالأموال والتبرعات التي حصلت عليها الجماعة المحظورة واستخدامها لأغراض أقل ما يمكن القول عنها بأنها غير مرتبطة بالغاية التي أنشئت من أجل تحقيقها، قد ألقى بظلاله على عمل الجمعية المرخصة، والتي اعترفت صراحة بأنها «تقع تحت وصاية اسم مثير للجدل». فهذه الجمعية قد أضحى ممارستها لعملها أكثر صعوبة وتعقيدا بالأخص في مجال تلقي التبرعات والهبات المالية، ناهيك عن تراجع الثقة الشعبية بالحركات الإسلامية، فلم تعد قادرة على الاستمرار ككيان قانوني بعد أن تقطعت بها الصلات التنظيمية والاجتماعية والسياسية.
ويبقى الجزء الآخر من البيان الصحفي للجمعية المنحلة ذاتيا والذي أعلنت فيه «حل نفسها انسجاما مع وطنيتها وانتمائها للأردن ووفائها للقيادة الهاشمية»، ففي هذه العبارة إشارة واضحة إلى اصطفاف الجمعية مع أولويات الدولة، لا سيما بعد سلسلة القرارات الحكومية التي صدرت في مواجهة الجماعة المحظورة ومصادرة أموالها ومقراتها.
إن قرار حل جمعية جماعة الإخوان المسلمين المرخصة يمثل نقطة مفصلية في تاريخ العلاقة بين الدولة والتنظيمات الإسلامية. فهو وإن صدر من داخل الجمعية وبإرادتها المنفردة، إلا أنه يعكس توافقا ضمنيا مع توجه الدولة الأردنية نحو إنهاء المرحلة الرمادية التي عملت فيها كيانات تحت شعارات دينية دون وضوح في الوظيفة والهدف.
أستاذ القانون الدستوري وعميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة