وجهات نظر

الجنوب السوري والخيارات الأردنية

الجنوب السوري والخيارات الأردنية

للعلّم -
منذ اندلاع شرارة الثورة السورية 2011 والأردن يعي أن حجم التأثير الجيوسياسي والتعقيد الأمني الذي سينتج بالضرورة عن أي انفلات غير منضبط في الجنوب السوري، فضعف قبضة الدولة السورية تحت أي نظام في دمشق، يعني سقوط مدن وبلدات سورية جنوبية كثيفة السكان وذات تنوع طائفي واجتماعي، متاخمة هذه المدن والبلدات والبوادي للحدود الأردني الطويلة، يشكل حتما تحديات أمنية وعسكرية كبرى، خاصة من جماعات وفرق معروفة بسلوكها التكفيري والإرهابي، ناهيك عن وجود أكبر مخيم للاجئين السوريين شمال الأردن على مقربة من الجنوب السوري المشتعل، وإذا أضفنا الخسائر الاقتصادية نتيجة تراجع وتوقف حركة التجارة فترات طويلة، وظلال كل هذه الأحداث على حركة العبور الدولية والحركة السياحية برمتها، ولا ننسى الكلف الأمنية والعسكرية والمترتبة نتيجة أحداث الجنوب المؤسفة، ودخول داعش وأخواتها وإسرائيل على خط المواجهة هناك.

نعم للأردن علاقات مؤثرة مع زعمات ومكونات أساسية في الجنوب السوري، فرضتها سنوات من غياب الدولة السورية تماما، حتى صار الفراغ الأمني وتعدد الجماعات والفرق الوافدة المدعومة من جهات متعددة، وبروز قوى العشائر وأبناء درعا والسويداء في محاولة لملء الفراغ، خلق واقعا مأزوما وترك الجمر تحت الرماد، الذي تحركت ألسنته مع هبوب الرياح، كل هذا وإسرائيل الطامحة والطامعة والنتشية ليست ببعيدة عن كل ما يحاك، بل تعلن ولا تخفي، تقصف ولا تبالي، تهدد وتتوعد كشريك أساسي في اللعبة الجديدة في الجنوب السوري، وهذه كله يأتي في ظل خنق غزة ومحاولة إبادتها على مرأى العالم وصمته، ومحاصرة الضفة الغربية والتلويح بضمها ووضع حل الدولتين في ثلاجة الموتى، وخطر التهجير القسري، وفرض ضغوط عسكرية وأمنية واقتصادي كبرى ينتج عنها تهديد وجودي للأردن.

الأردن يعي تماما ما يجري، وما يخطط له في الشمال والغرب من حدوده، لكن الأحداث في الجنوب السوري لا يمكن عزلها عن إجراءات تصفية القضية الفلسطينية، فالسلسلة واحدة، والحكومة السورية الحالية تقف شبه حائرة، غامضة المواقف، تتعامل مع الأحداث بالقطعة ومع المستجدات يوما بيوم، وتعول على عاملي الزمن والدعم الدولي، وتتكئ كثيرا على الموقف العربي خاصة الأردني والخليجي، لكن السؤال الأساسي هل ما حدث هو بداية نهاية اللادولة في الجنوب السوري، واستتباب الأمور لصالح دمشق، وعودة السلم الأهلي، وتصبح الدولة السورية هي الخلاص المرتجى؟ أم هو صمت مؤقت ينبئ بانفجارات قادمة لا يعرف امتدادها وأثرها المدمر؟.

إننا نراقب بتيقظ شديد، فخيار الأردن الاستراتيجي هو استتباب الأمن لصالح الدولة السورية، ومع دولة سورية قوية وفاعلة على الأرض، دولة قادرة على أن تكون للجميع وأن تحمي جميع مكونات الدولة وتصهرها في بوتقة الوطن السوري، وسحب السلاح من المليشيات مهما كان نوعها أو مرجعياتها، وفرض سيادة القانون، والاسراع بدستور جديد عصري ومدني هاضم للجميع وحامي للجميع، وهذا كله يستوجب لجم إسرائيل ووقف غطرستها واستباحتها لسماء وتراب سوريا، ومنع تدخلاتها بالشأن السوري، ومحاولة تعميق الانقسامات الطائفية والعرقية، والشروع بإعادة إعمار سوريا في النواحي كافة، عندها فقط تتعفى سوريا، تهدأ الجبهات، وهذا سيمكن الأردن أكثر من الوقوف بحزم أمام مخططات إسرائيل في الضفة الغربية والقدس، وتكوين جبهة عربية/ عالمية، للجم العنجهية الإسرائيلية، ووقف مشاريعها الاحتلالية والتهجرية، ولعل الخطوة الأساس وقف الحرب بشكل نهائي في غزة وإنعاشها، وإعادة الحياة إليها وإغاثة أهلها.