وجهات نظر

قمة بغداد .. لا جديد يبرر انعقادها

قمة بغداد  ..  لا جديد يبرر انعقادها

تبعث بغداد برسالتين من وراء استضافتها للقمة العربية السبت المقبل، الأولى أن العراق في طور التعافي التام من أزمة عدم الاستقرار وفقدان الأمن التي ضربته لسنوات طويلة، وأصبح قادرا على استضافة الزعماء العرب، "باستثناء الرئيس السوري"، دون قلق من تبعات أمنية. والثانية أن العراق ما يزال يتمسك بهويته العربية، رغم محاولات لإبعاده عن محيطه العربي.

عدا ذلك، القمة لا تثير فضول المراقبين أو اهتمام الرأي العام العربي، ولا الدولي. القمم العربية عموما فقدت قيمتها منذ أن تأكل النظام العربي الرسمي ومؤسسته؛ الجامعة العربية.

على مر السنوات الماضية، كانت القمم العربية تعقد دوريا كل سنة، وفي الوقت ذاته يتراجع حال الأمة وتتدهور أحوالها. أزمات الدول العربية وحروبها الداخلية تتفاقم، وأمنها القومي يستباح من قوى أجنبية؛ شرقية وغربية، ولم تتمكن هذه القمم من احتواء أزمة واحدة أو إنقاذ بلد من صراعاته الداخلية.

قمة القاهرة الاستثنائية انعقدت قبل أشهر قليلة، وكان يكفي أن تتابع مؤسسة الجامعة تنفيذ ما صدر عنها من قرارات تخص أزمة غزة، وأهمها تبني خطة عربية لإعادة إعمار القطاع بعد وقف إطلاق النار وانسحاب إسرائيل.

لكن شيئا من ذلك لم يتحقق، فما الذي ستضيفه قمة بغداد غير التأكيد على قرارات "القاهرة"، بدون أدنى قدرة على فرضها أمرا واقعا.
وبين القمتين، تفاقمت أزمات المنطقة العربية، وتصاعدت خلافات دولها أيضا. سورية وقع جزء من أراضيها تحت الاحتلال الإسرائيلي، ولبنان لم يفلح بعد بإقناع إسرائيل بالانسحاب من مناطق عدة داخل حدوده. اليمن الواقع تحت حكم الحوثي غير المعترف فيه من الجامعة العربية، كان ميدانا لقصف أميركي وإسرائيلي رهيب. السودان يعيش كارثة بكل معنى الكلمة، وماض في حرب داخلية لا نهاية قريبة لها، وليبيا تغرق في صراع الشرعيات. هذا بالطبع غير قطاع غزة الذي يتوعده نتنياهو بجولة جديدة من الموت والدمار، مضيفا إليها التهجير كهدف معلن لن يحيد عنه.

الخلافات العربية البينية تتبدى في كل الاتجاهات؛ الإمارات العربية المتحدة والسودان بلغت حد قطع العلاقات من طرف واحد. العراق الذي يحتضن القمة لم يتمكن من استضافة رئيس عربي خوفا على حياته! وغيرها من الخلافات المستترة خلف الأضواء.

ويبدو أن الشعور العام بعجز القمم عن تحقيق أي اختراق في الحالة العربية المتدهورة، والتقارب الزمني بين آخر قمة عقدت في القاهرة، وموعد القمة الدورية المقررة، سيلقي بظلاله على مستوى التمثيل في بغداد، إذ تفيد تسريبات إعلامية بأن عددا غير قبل من الزعماء العرب سيتغيبون عن القمة. فما كان مفترضا مناقشته وحسمه من قضايا عربية شائكة، صار شأنا دوليا ولنقل أميركيا، تكفلت اجتماعات الرئيس الأميركي ومبعوثيه في المنطقة هذا الأسبوع في مقاربتها وفق معادلات عابرة لحدود العرب وأمانيهم.

وما يزيد حقا من مظاهر عجز القمم عموما وهذه القمة على وجه الخصوص أنها تأتي بعد جولة ترامب في المنطقة وما رافقها من صفقات، وما يمكن أن ينتج عنها في قادم الأيام من تسويات كبرى لأزمات عربية، تبدو معها قمة بغداد وكأنها تحاكي عالما غير عالمنا العربي.

ولتجنب هذا الإحراج كان يمكن للجامعة العربية أن تكتفي بدعوة لوزراء الخارجية العرب للاجتماع في مقرها أو في بغداد لمتابعة ما كان من قرارات، عوضا عن مهرجان خطابي مكرور وممل.