وجهات نظر

رسالة لعقل الحكومة .. كيف نكسب من تعلق بهم؟

رسالة لعقل الحكومة  ..  كيف نكسب من تعلق بهم؟

لنبدأ الطرح متفقين أنه يحسب للحكومة الحالية أنها حظرت الجماعة، كما ورد على لسان معالي وزير الداخلية من قرارات، لتكون بذلك حكومة قرارات استثنائية، طوت صفحة من صفحات القلق والإثارة غير المنتهي منذ عقود لسلوكيات وتطاول لتلك الفئة، والتي استندت في كافة سيرة وجودها غير الشرعي إلى مرجعيات خارجية في كافة مراحلها، متجاوزة المسيرات والوقفات والتشكيك لنرى مستوى تعدي على الأمن والسلم المجتمعي للوطن أجمع.

فصل من فصول الخراب انتهى ولن أكتب فيه لاحقا، وهي أولى الخطوات لشطب سيرتهم من الفكر والمتابعة للمستقبل، فالقرار بحقم صدر وقوبل بصدر رحب من كل أردني يعي مكانة وسيادة ومستقبل الأردن، ونترك لمن تمكنوا من فك خيوطهم داخليا من رجال المخابرات والأجهزة الأمنية ضمان عدم إنبات أي فسيلة من فسائلهم في أي بقعة من تراب الوطن، والثقة كبيرة ومكتملة فيهم بعد النجاح لعقود في هذا الملف، ولنقول في حق من يبذل أقصى طاقة لنجاح تحقق أنه "كفى ووفى".

الأجهزة الأمنية والجيش العربي بكافة القطاعات دون استثناء كانا على قدر المسؤولية في أي ملف من الملفات الأمنية، ولكن نحن اليوم أمام ملف مهم ويصل لذات الأهمية بل قد يكون أكبر، وهو استكمال وضمانة حلقة الأمن المجتمعي، ولكنه مسؤولية عقل الحكومة وأدواتها وليس الأجهزة الأمنية، ويتمثل ببناء النموذج الوطني البديل القادر على ملء الفراغ، وأقصد فراغا سيتحقق في قضايا اساسية كانت الجماعة تستغلها وصولا وارتباطا لمشاعر كثيرين من العامة ممن غرر بهم فتعلقوا قربا بهم، سواء أكانت رسالة دعوية أو عملا خيريا بتسلم طرد غدائي، أو خدمة تطوعية بترميم منزل، أو فرصة لندوة ثقافية أو سياسية لغرس مفهوم، أو حتى رحلة مدرسية مجانية لفتيان، أو معسكر كشفي لشباب وشابات هنا وهناك تراهم في أيام انعقاده أشبه ما يكون معسكرا للفكر والتدريب بعناوين مختلفة، وقد يقول آخر إنها فرصة لا فراغ، فهم مكون مجتمعي قد يتجه للبناء والتشاركية، فأقول له إن ذلك كان متاحا في أكثر من مرة وشراكة ومؤسسة إلا أنهم فضلوا العمل وفق اتجاهاتهم ومن وجههم.

وهنا أنصح أولا التفكير والتدقيق والحكمة عند اختيار وزير الشباب ووزير الثقافة ووزير التنمية الاجتماعية، والنظر إلى مفاهيم أوسع من المحاصصة أو منح الفرصة أو الاحتكام للعلاقات، بقدر ما يكون الاختيار بمستوى انتقاء من يشغل وزارات سيادية لا وزارات تسيير أعمال، والعمل على إخضاع أعضاء تلك الوزارات بكافة مستوياتهم لدورات مكثفة ومختصة وغير منتهية في كل ما يحقق الوصول للمجتمع، في وقت أرى أن من نجح خلال السنوات الماضية بالعلامة الكاملة مهيئا أرضية صلبة وملأ فراغا يمكن الاستناد عليه بخبرة وتميز تتمثل بإدارة الجانب الدعوي من أئمة ووعاظ ومراكز تحفيظ قرآني ودور عبادة وما هو أبعد من ذلك من ضبط وضوابط للخطاب الديني كان بإدارة معالي وزير الأوقاف الحالي، الذي أرسى إدارة تستحق تدريب الآخرين من ذوي اختصاص على ذات نهجها لنضمن ملء الفراغ في باقي متطلبات الحياة العامة والتي تجعل العطاء للمحتاج هي بوصلة اختيار الشخوص غالبا، علما أن ما أوصي به هو في الأصل يستوجب أن يكون من البديهيات في اختيار أي وزير، ولكن ما زلنا نشهد ونرى وعي وزير يعلن أن زيارة ملعب هي المهمة بدل أن تكون سياسته صناعة اللاعبين، ونرى خبرا إعلاميا لوزير عن رعايته افتتاح ندوة وكأنها هي هدف وجوده، بدل أن تكون المهمة المساهمة في صياغة المحتوى لما يقال ورعاية المفكرين، ونشهد وزيرا يلتقط الصور مبتسما في افتتاح بيت للعجزة بدل ضمان توفير متطلبات واشتراطات السلامة والرعاية وغرس أهمية الرعاية الوالدية في النشء، ووزير آخر لم أشهد له مهمة سوى "تقطيع الكيك" في مناسبات وأماكن رسمية، وبعبارة أخرى سننجح عندما ننتقل إلى القناعة بأن دور الوزير ليس إدارة لهيكل وظيفي ومبنى من طوابق وغرف بقدر ما يمثله من هرم البناء والتفكير والتطوير في منظومة ما يسمى وزارة، وعندها نكون انتقلنا لمستوى مختلف من ملء الفراغ في كل القطاعات.

المهمة ليست صعبة، والفرصة اليوم أكبر للنجاح والصورة أكثر وضوحا، فصاحب الولاية رأس الحكومة سبق الكثيرين بفكره ويسير باتزان ونشاط مختلف ويملك برنامجا نموذجيا تضمنه طاقة هائلة في فكر اتجاهه وعزم بدنه، ولكن يحتاج حوله من هم من رجال صناعة التغيير والوعي ممن نتفق على مكانة ورجاحة وزنة عقلهم ومكانة الدولة فيه، وليس ما يحتاجه دولة الرئيس رجالات الاستعراض وتصفية الحسابات ومن يدفعهم للإخلاص كونهم مراقبين وتحت مساءلة منه خوفا من مغادرة كراسيهم، بل نحتاج من يرون المساءلة محكمة المجتمع في نجاح وجودهم لا الرئيس.

"الغد"