وجهات نظر

الدفاع عن الأردن ضد الافتراءات الخارجية

الدفاع عن الأردن ضد الافتراءات الخارجية

منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة، بدأت الدول العربية تتعرض لسلسلة من حملات التشهير الخارجية التي كانت تستهدف صورتها أمام شعوبها المتابعة لمجريات الأحداث وأمام المجتمع الدولي، حيث اتخذت هذه الحملات شكل افتراءات إعلامية، أو تقارير سياسية مغرضة، أو نشر معلومات كاذبة تمس الدولة وقيادتها ومؤسساتها.

ويُعد الأردن من الدول التي واجهت بين الحين والآخر مثل هذه الحملات الكاذبة، سواء من منظمات دولية ذات أجندات خاصة، أو منصات إعلامية منحازة، أو جماعات ضغط خارجية، والتي كان آخرها التصريحات غير المسؤولة لرئيس حركة حماس في غزة المدعو خليل الحية، التي أثارت حفيظة الشعب الأردني لما تحمله من تجني وافتراء غير مقبول على ما يقوم به الأردن من دور محوري في الدفاع عن القضية الفلسطينية.

فالافتراءات الخارجية التي يتعرض لها الأردن بين الفينة والأخرى يمتد نطاقها ليشمل أشكال متعددة من الإدعاءات والمعلومات الكاذبة المضلّلة التي تصدر عن جهات أجنبية بقصد الإضرار بسمعة الدولة وتشويه صورتها والتأثير على استقلال قرارها السياسي. وهذه التصريحات كان يتم التعبير عنها من خلال تقارير لمنظمات دولية غير حيادية، أو بواسطة حملات إلكترونية منسقة، أو تصريحات لشخصيات سياسية أجنبية.

ويبقى التساؤل الأبرز عن الآليات والمِكن التي يمكن للدولة الأردنية اتباعها للدفاع عن نفسها، والتي يجب ألا تقتصر فقط على الرد السياسي أو الإعلامي، بل يتسع نطاقها ليشمل وسائل قانونية وأخرى دبلوماسية، وذلك لكي تصل الرسالة القوية إلى أعداء الوطن والمتربصين له بأن الأردن دولة قانون ومؤسسات له ثباته واستقراره، وأن زمرة من مدعي الوطنية التي تدافع عن عدالة القضية الفلسطينية من الغرف المغلقة المحمية لن تقدر أن تفرض أجندتها الخارجية، أو تمس من استقرار هذا الوطن وسلامة أراضيه.

إن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول يعد أهم القواعد الراسخة في القانون الدولي العام، الذي يحمي استقلال الدول وسيادتها وحرمة نظمها السياسية والقانونية. إلا أنه ومع تصاعد وسائل الإعلام والاتصالات العابرة للحدود، باتت الدول عرضة للإساءة والتشهير بها من أطراف حكومية أو دولية. لذا، حرص القانون الدولي على توفير حماية كافية للدول من الإساءة لها أو التدخل في شؤونها الداخلية أو المس بسيادتها الوطنية وأمن واستقرارها.

فالمادة (2/7) من ميثاق الأمم المتحدة لعام 1945 تنص على أنه ليس في هذا الميثاق ما يُجيز للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لدولة ما. كما يفرض إعلان العلاقات الودية الذي صدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 2625 لعام 1970 مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول، ويعتبر أي محاولة لفرض إرادة دولة على أخرى سياسيا أو اقتصاديا أو إعلاميا انتهاكا للمبادئ الدولية.

كما تنص المادة (41) من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن العلاقات الدبلوماسية لعام 1961 على مبدأ عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، وتحظر المادة (19) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 نشر أي معلومات مضللة بحق أي دولة أخرى، وتفرض على الدول الأعضاء أن تقوم بتنظيم الحق في التعبير بموجب قيود تهدف إلى احترام حقوق الآخرين وسمعتهم.

وعلى صعيد القانون الدولي العرفي، فإنه من الثابت والمستقر دوليا أنه يحق للدول الدفاع عن سلامتها الإقليمية ونظامها السياسي ضد أي إساءة خارجية ممنهجة توجه لها، وأن الهجمات الإعلامية التي تهدف إلى زعزعة سيادة الدول أو تهدد أمنها الداخلي تحت مظلة الحرب غير التقليدية أو الحرب السيبرانية الإعلامية تعد أفعالا مجرّمة، وتستجوب المسؤولية الدولية.

وإذا كان الإعلام الوطني هو العنصر الأساسي في الرد على هذه الاتهامات التي يجري توجيهها إلى الأردن ومواقفه الدولية، فإنه وفي حالة الافتراءات التي تصدر عن شقيق فلسطيني نتشارك معه في الهموم والتضحيات، تكون القرارات وترجمتها إلى أفعال على أرض الواقع هي الوسيلة الأنسب لمواجهة هذه الأقاويل الباطلة.

فالأردن الرسمي والشعبي يتألم لمشاهد الدمار والجوع التي يعيشها أخوته في قطاع غزة، ويسعى بكل قوته لوقف هذه الكارثة الإنسانية ورفع الظلم عن الأطفال والنساء، بشكل أكبر من أية فصائل سياسية أو حركات تحرر فلسطينية تحاول أن تتفرد بالقضية لوحدها، وتسعى إلى أن تُظهر نفسها بأنها هي من تقود النضال العربي، لكن من خارج ساحات القتال وعلى بُعد مئات الأميال من خط المواجهة ومواقع ارتكاب المجازر الدموية.