وجهات نظر

المديونية .. فاهمينها غلط

المديونية ..  فاهمينها غلط


كلما ارتفع رقم الدين العام، تعالت الأصوات بالتحذير والانتقاد وكأن المديونية" لعنة اقتصادية" أو علامة فشل حكومي

بالادارة المالية، لكن الحقيقة أبعد من ذلك، بل وربما معاكسة تماما، فالمديونية ليست رقما جامدا نحاسبه في عزلة، بل أداة اقتصادية تمكن الدول من الوفاء بالتزاماتها، ومواجهة التحديات الاقتصادية والجيوسياسية، فلماذا سوء التفسير؟.

للأسف، يثار الجدل حول الدين العام كل فترة ومع كل نتائج مالية ربعية، دون النظر إلى مكوناته أو أهدافه أو كلفه، فارتفاع الدين العام مؤخرا بنحو 2.7 مليار دينار مثلا، لايعني بالضرورة زيادة الاقتراض لتمويل "عجز جديد" أو نفقات جديدة، فوفق البيانات الرسمية، فإن 68% من الارتفاع جاء نتيجة خدمة فوائد الدين وتسويات مالية متأخرة تراكمت عبر سنوات، إلى جانب"رديات"ضريبية مستحقة.

أما الجزء المتبقي من الزيادة فكان عبارة عن قروض ميسرة ومنخفضة الفائدة، استخدمت لتسديد سندات اليوروبوندز المستحقة في 2026، وهو ما خفض كلفة خدمة الدين بنسبة 40%، ووفر على الموازنة نحو 40 مليون دولار سنويا،ما يجعلها ديونا ليست عبثية، بل إدارة مالية رشيدة تحول "الضغط " إلى " مكسب" .

الحكومة ملتزمة بتنفيذ بنود "قانون الموازنة" العامة لعام 2025، والمحافظة على "الإنفاق الاجتماعي" والتنموي ضمن برنامج إصلاح مالي مدروس، حيث حازت إدارتها المالية إشادة صندوق النقد الذي أكد قدرة المملكة على السداد واستدامة مسار الدين، وصولا إلى خفضه إلى 80% بحلول 2028.

الأهم أن هذه السياسات لم تأت على حساب النمو بل دعمته، فالمؤشرات تتحدث عن نفسها: النمو الاقتصادي ارتفع بنسبة 2.8% في الربع الثاني من العام، و الصادرات الوطنية شهدت ارتفااع بنسبة 8%، نمو الاستثمار الأجنبي نما بنسبة 36%، واحتياطيات نقدية قياسية لدى البنك المركزي بلغت 24 مليار دولار.

المديونية ليست خطراً حين تكون مدروسة، وليست ضعفا حين تدار بحكمة، بل إنها في كثير من الأحيان مؤشر على حيوية الاقتصاد، تماما كما هو الحال في كبريات الدول الولايات المتحدة ألمانيا، فرنسا، اليابان وحتى الصين وكوريا الجنوبية عليها ديون بتريليونات الدولارات، لكنها في المقابل تمتلك اقتصادات عملاقة وقادرة على السداد والابتكار والنمو.

حتى الأفراد يعرفون أن الاقتراض ليس عيبا، طالما أنه لغايات منتجة وقادر على توليد دخل وسداد الالتزامات، كذلك الدول، فالدين ليس هدفا بحد ذاته، بل وسيلة لتحقيق الاستدامة وتحريك عجلة النمو.

خلاصة القول، المديونية ليست "خطيئة اقتصادية" كما يصورها البعض، بل أداة قوة عندما توظّف لخدمة الوطن وتنميته، والأردن يسير على هذا الطريق بثقة، بإدارة مالية متوازنة، واقتصاد يثبت قدرته يوما بعد يوم على مواجهة التحديات وتحويلها إلى فرص.