سوالف

لماذا نشعر بوجود أشخاص معنا في الظلام؟ بين وهم الحواس ودهاء الدماغ

لماذا نشعر بوجود أشخاص معنا في الظلام؟ بين وهم الحواس ودهاء الدماغ

للعلّم - في لحظات السكون، حيث يسود الظلام وتخفت الأصوات، يراود الكثير منا شعور غريب بأننا لسنا وحدنا. وكأن هناك "أحدًا" يراقب من بعيد، أو يختبئ في الزاوية. فهل هو خيال جامح؟ أم أن هناك تفسيرًا علميًا لهذا الإحساس المقلق الذي يتكرر أكثر مما نظن؟

الدماغ يملأ الفراغات
عندما تُحرم الحواس من المدخلات البصرية، كما يحدث في الظلام، يبدأ الدماغ بتعويض النقص. فهو لا يحب "الفراغ المعلوماتي"، لذلك يملأه بالتوقعات، والذكريات، وحتى الأوهام. صوت طفيف، أو حركة ظل عابرة، قد يترجمها عقلك إلى "شخص يقف خلفك" أو "كائن ما يقترب".

هذه الظاهرة تُعرف بـ الباريدوليا (Pareidolia): ميل الدماغ لرؤية الوجوه أو الأشخاص في أنماط عشوائية، كأن ترى وجهًا في الغيوم أو تشعر بوجود في الظلال.

الحواس في حالة تأهب
الظلام يعزز من حساسية الحواس الأخرى، خاصة السمع واللمس. أي صوت، مهما كان خافتًا، يصبح مضخمًا ومقلقًا. رنين المكيف، خشخشة الستارة، أو صوت خطوات جارك في الشقة العلوية، كلها تُفسر على أنها إشارات "تهديد" قادم، وهو ما يدفع الجسم للدخول في حالة تأهب نفسي قد يفسرها العقل كوجود شخص ما معك.

القلق والتوتر... ضيوف الظلام
الأشخاص الذين يعانون من القلق أو اضطرابات النوم أكثر عرضة لهذا الشعور. فالعقل القلق يضخم الأمور، ويعيد تدوير المخاوف، ما يجعل الظلام بيئة خصبة لكل سيناريو مرعب. هذه المشاعر لا تظهر فقط في الليل، بل قد ترافق الشخص في أي مكان معتم أو معزول.

الإرث الثقافي والقصص الشعبية
منذ الطفولة نسمع قصص "الغول في الظلام"، و"العين التي تراقبك من تحت السرير"، وهذا يخزن في اللاوعي، ويؤثر علينا حتى في الكبر. فعقولنا تشبعت بفكرة أن "الظلام مخيف"، فصار الإحساس بوجود شخص ما في العتمة أمرًا طبيعيًا، وإن لم يكن منطقيًا.

ما الحل؟
الإضاءة الخافتة: استخدمي ضوءًا ليليًا يبدد العتمة دون إزعاج النوم.

الروتين الليلي المريح: تجنبي المنبهات، واحرصي على الاسترخاء قبل النوم.

الفحص العقلي: اسألي نفسك: هل هناك فعليًا ما يدعو للقلق؟ أم هو مجرد تفسير مبالغ فيه؟

المواجهة بالمنطق: تذكري أن الشعور لا يعني الحقيقة. ليس كل ما يخبرك به عقلك دقيقًا في الظلام.

ذلك الشعور بأن هناك من يشاركك الغرفة في الظلام ليس دليلًا على وجود خارق أو قدرات حسية خارجة عن المألوف، بل هو مزيج من وظائف الدماغ، الحواس المرهفة، وتجارب الطفولة العالقة في الذاكرة. وبينما قد لا ننجو تمامًا من هذا الإحساس، فإن فهمه هو الخطوة الأولى لنزع هيبته واستعادة راحة البال.