وجهات نظر

تقلبات الرئيس تاكو

تقلبات الرئيس تاكو


توسع استخدام وصف TACO لدرجة أنه يقترب أن يصبح لقبا للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وأصل الكلمة هي اختصار بالأحرف الأولى لعبارة Trump Always Chickens Out ومعناها ترامب دائما يا يجبن أو يهرب، وباستعراض الأشهر الماضية من ولاية الرئيس الأمريكي فالواضح أن سلوكه أصبح مدعاة لإثارة الفوضى على جميع المستويات، خارجيا وداخليا، سياسيا واقتصاديا، ويبدو أن صورة العائد من الوراء لتصحيح أخطاء الرئيس السابق بايدن والعودة بالولايات المتحدة إلى عظمتها السابقة، أخذت تتلاشى إلى حد بعيد، وربما لا يتبقى منها مع الأيام المقبلة سوى ?لال باهتة.

تكلفة الارتباك التي يحدثها الرئيس الأمريكي أصبحت مقلقة على مستوى بلاده والعالم بأكمله، ويبدو أن محاولته للحصول على منجزات ستؤدي إلى مزيد من الفوضى وستلحق ضررا إضافيا بصورة الولايات المتحدة، وربما يؤدي المزيد من الخطوات غير المحسوبة إلى تأثيرات كبيرة على المنطقة، وخاصة فيما يتعلق بالملف الإيراني وتوابعه من ملفات فرعية ما زالت على الأقل تمتلك شيئا من الأوراق على مستوى العراق ولبنان، وورقة استراتيجية كبيرة في اليمن، شهدت مؤخرا واحدا من محطات الإحباط المرتبطة بأسلوب المبالغة الدعائية الذي ينتهجه ترامب مقابل ما?يتحقق فعليا على أرض الواقع.

ما بدى أنه سياسة متجاوبة أظهرها الإيرانيون في الجولات الأولى من التفاوض المباشر مع فريق الرئيس ترامب، يتحول إلى مواقف أكثر تشددا من جانب طهران التي تمرست بالتفاوض وكواليسه لسنوات طويلة، في مقابل ما يبدو أنه ارتجال أمريكي تغذيه انطباعات الرئيس وانفعالاته.

أدت سياسة الرئيس الأمريكي إلى الوصول بالمنطقة إلى حالة وشيكة من إعادة الصياغة، ولكن لا يبدو أنه وبينما يشجع ذلك، ويوحي بقدرته على ضبطه، كان قادرا على بناء تصور للصياغة الجديدة، ففي زيارته للعربية السعودية، وفي خطوة مهمة حققتها الدبلوماسية السعودية، أتت الموافقة على تجميد العقوبات القائمة على سوريا، ولكن ذلك كان مفتقدا لسياق كامل، وبقيت سوريا التي ارتفعت تطلعاتها، تعاني من مشاكل واقعية مثل الانتهاكات الإسرائيلية المتواصلة، ومن كثير من التفاصيل التي يجب أن تطرق، وعمليا تعمل العديد من الدول على صياغتها بالصور? التي يمكن التعامل مع ترامب من خلالها، أي الحصول على التنازل في التوقيت المناسب، ومن ثم البحث في طريقة التعامل معه.

هذه الاستراتيجية تبدو جيدة مع ترامب، ولكنها في المقابل، ستضع المنطقة لفترة طويلة في مساحة من اللا – يقين، حيث لا توجد توجهات واضحة، ولا نية واضحة لاستثمار الأوراق الأمريكية في بناء شيء جديد، أو حتى رغبة في بناء علاقة استراتيجية طويلة المدى، فكل ما يعني الرئيس ترامب هو ما سيفعله في الفترة المتبقية من فترته الرئاسية، مع بعض الأحلام بالحصول على جائزة نوبل في السلام لتتوج مسيرته من رجل الكازينو والمصارعة الحرة إلى رجل يزاحم باراك أوباما الذي يمثل نموذجا متألقا للتكنوقراط والعصامية في بلد تقدر هذه القيم، بل وتق?م بأحلامها على صيانتها ورعايتها.

التكلفة العالية لهذه الفترة الرئاسية، وما ستخلفه من مشكلات وأزمات وتشوهات في المفاهيم والتصورات، والأثقل تكلفة، حالة سائلة وحبلى بالاحتمالات في المنطقة، يمكن تجاوزها من خلال النفس الطويل، والتركيز على الأولويات بغض النظر عن مشاريع ترامب المتقلبة والمنفلتة، ففي النهاية، يبدو أن ترامب هو مرحلة ستستدعي مراجعة طويلة وإعادة تمركز، أو ستكون بداية لأفول العصر الأمريكي، على الأقل بالنسخة التي تعرفها المنطقة.