وجهات نظر

الإنتاجية

الإنتاجية


الانتاجية (أن تنتج أكثر بموارد اقل)ليست كل شي ولكن على المدى البعيد ستكون تقريبا كل شي، فالإنتاجية أساس لثراء الامم والوسيلة الوحيدة لدولة ما كي ترفع مستوى المعيشة فيها ورفاهية مواطنيها بشكل مستمر، ولا تستطيع أي دولة أن تحقق ذلك إلا من خلال الانتاجية.

إننا نعلم جيدا باننا بحاجة الى تحسين الانتاجية وخاصةً حين ينتقل الاردن من دولة كثيفة الشباب الى دولة من المعمرين فاننا بحاجة الى زيادتها، ولكن كيف؟ وهذا في ظل تراجع معدلات النمو معظم الدول وعالميا خلال العشرين سنة الماضية.

هنالك العديد من الحلول التي يقدمها كبار الاقتصاديين في العالم لتحسين الإنتاجية كفتح باب الهجرة في الدول المتقدمة (لاستقطاب أفضل المهارات كما تفعل أمريكا ودول لخليج العربي بنسب متفاوتة) ودعم الشركات الصغيرة الواعدة، حيث أنه في الغرب تثبت الاحصائيات أن الشركات الصغيرة أكثر ابتكاراً واكثر استخداماً من الشركات الكبيرة هناك، وهو على عكس ما يحدث في الدول النامية ومن بينها الاردن ولأسباب تتعلق بالأمور ومنها ضعف التمويل للمؤسسات الصغيرة.

ولكن حتى لو تم تحفيز الابتكار بحد ذاته، فزيادة الابتكار لا تكفي في ظل انخفاض راس المال وضعف البنية التحتية. كما أن التكنولوجيا الجديدة والتحول الرقمي وخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي قد يؤديا الى زيادة الإنتاجية في بلد ما وفي العالم أجمع، ولكن في نفس الوقت قد يؤديا الى زيادة الهوة بين الدول المتقدمة وتلك النامية كالاردن فيصبح التقدم المطلق تأخر نسبي حين المقارنة مع الدول المتقدمة.لذلك، يجب الإسراع في تنفيذ المبادرات لزيادة الابتكار وزيادة الاستثمار فيها لزيادة الإنتاجية.

ينصب تركيز الاقتصاديين على إنتاجية الاقتصاد ككل لأنه أسهل في الحساب من الإنتاجية للعمالة أو لرأس المال كل على حدة. ويطلقون على ذلك اسم "الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج". وهو مقياس لقدرة الاقتصاد على توليد الدخل من المدخلات-أي إنجاز المزيد بموارد أقل.

المدخلات المعنية هي عوامل الإنتاج في الاقتصاد، أولها"العمالة" (المدخل البشري في عملية الانتاج، والأرض (الخيرات والموارد الطبيعية) و"رأس المال" (الآلات والبنية التحتية). إذا زاد الاقتصاد من إجمالي دخله دون استخدام المزيد من المدخلات، أو إذا حافظ الاقتصاد على مستوى دخله مع استخدام عدد أقل من المدخلات، يُقال إنه يتمتع بإنتاجية كلية أعلى (ويسميها الاقتصاديون "مثالية باريتو").

المعادلة التي تستخدم هي (نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي = نسبة نمو العمالة + نسبة نمو رأس المال + نسبة نمو الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج). وللتوضيح فلو بلغت نسبة نمو الناتج المحلي الحقيقي 2.8%، ونسبة نمو العمالة 1%، ونسبة نمو رأس المال 1.4%، فان نسبة نمو الإنتاجية الكلية هي (0.4%) وذلك حسب المعادلة (2.8%= 1%+1.4%+0.4%).

بلغت الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج بالأسعار الثابتة في الأردن قمتها (3.01) في عام 1965، ثم هبطت لتصبح في المتوسط 1.85 في فترة السبعينات، ثم 1.71 في الثمانينات، و 1.08 في التسعينات و1.14 في الفترة (2000-2010) و 1.04 في الفترة (2011-2019). أي أنها بدأت بالهبوط منذ ستون عام (1965). وحسب تقديرات صندوق النقد العربي (2023)، فإن مساهمةالإنتاجية الكلية في النمو في الأردن لم تتجاوز 0.5 % سنويًا في المتوسط خلال 2000–2020، بينما تجاوزت في كوريا الجنوبية 2.5%.

وتعتبر الإنتاجية الكلية لعواملالإنتاجروح النمو الاقتصاديفهي ما يميز الدول المبتكرة والمتطورة عن الدول التي تستهلك رأس مالها دون تطويره. هنالك علاقة إيجابية وقوية بين الإنتاجية وثراء الدول (استثني منها تلك الريعية، كالنفطية)فالبلدان ذات أعلى معدل إنتاجية إجمالية في العالم مثل هولندا والنرويج وسويسرا والولايات المتحدةهي أيضًا من بين أغنى بلدان العالم.لاحظ أنأبحاث صندوق النقد الدولي الحديثة تُظهرأن نمو الإنتاجية الكلية للعوامل قد تباطأ في جميع أنحاء العالم منذ الأزمة المالية العالمية. وفي البلدان النامية منخفضة الدخل، وصل معدل نمو الإنتاجية إلى حالة من الجمود التام في السنوات الأخيرة.

لرفع مستويات الإنتاجية في الأردن لا بد من تحسين الإنتاجية الكلية لعوامل الإنتاج من خلال تقوية الربط بين التعليم وسوق العمل، ورفع وتيرة الاستثمار في البحث والتطوير، وتقليل البيروقراطية في بيئة الأعمال، وتقوية التكنولوجيا الصناعية. كما يجب توفير ثلاثة عوامل: أولاً، زيادة إنتاجية القوى العاملة (الإنتاجية الكلية للعوامل أعلى في البلدان التي يتمتع فيها العامل العادي بسنوات دراسية أطول، وتكون جودة التعليم والتدريب أفضل، وتتمتع القوى العاملة بصحة أفضل). ثانياً، تخصيص الموارد (يذهب جزء كبير من العمالة ورأس المال الى شركات منتجة نسبيًا).ثالثاً، التجارة الدولية (تحفيز التجارة الدوليةبشكل استراتيجيوالتخصص في الصناعات التي تتمتع البلد فيها بميزة نسبية، مما يمكنهامن توظيف مواردها بشكل أكثر إنتاجية وتعظيم استغلال وفورات الحجم).

اعتقد أن التوجهات الحالية ستؤدي الى النهضة بالانتاجية في الأردن ورفع معدلات النمو والتشغيل بنسبٍ أكبر في المستقبل القريب.