وجهات نظر

الجامعات جسور للبناء ومنصة للريادة والابتكار

الجامعات جسور للبناء ومنصة للريادة والابتكار


تُعد الجامعات من أبرز مؤسسات المعرفة التي تلعب دوراً محورياً في تحقيق التنمية المستدامة، فهي ليست مجرد أماكن لتلقي العلم بل منصات ريادية تمزج بين البحث والابتكار لصناعة مستقبل أفضل سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. حيث تسهم الجامعات بشكل مباشر في بناء القدرات البشرية، ونقل التكنولوجيا والمعرفة، وتعزيز الشراكة المجتمعية، مما يجعلها جسوراً حقيقية للبناء والتنمية.

كما تُعد الجامعات مصدراً رئيساً لإعداد القيادات العلمية والسياسية القادرة على توجيه السياسات التنموية بما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة. فهي التي يمكنها توفير البيئة البحثية التي تساعد في صياغة الحلول العلمية للمشكلات السياسية والاجتماعية المعقدة، وتدعم بناء الوعي بالمواطنة وتعزيز ثقافة المشاركة السياسية المسؤولة. وهي المؤهلة لتعليم المهارات الريادية التي تسهم في بناء ثقافة الاستقلال والتفكير الابداعي وربط المعرفة النظرية بالتطبيق. الأمر الذي يتطلب اهتماما بترسيخ ثقافة الريادة بين الطلبة كخطوة أساسية لاعداد الخريجين لمتطلبات سوق العمل الفعلي.

إضافة إلى ذلك، تسهم الجامعات في استشراف تحديات المستقبل عبر الدراسات والتقارير التي تقدمها لصناع القرار، مما يُعزز الاستقرار السياسي ويوجه السياسات نحو تحقيق العدالة والتنمية. كما تلعب دوراً فاعلاً في دعم الاقتصاد المعرفي من جهة، وتطوير الابتكار وريادة الأعمال من جهة أخرى. فهي التي تزود سوق العمل بخريجين مؤهلين يمتلكون المهارات التقنية والعلمية التي تلبي احتياجات القطاعات الاقتصادية الحديثة. كما تنشئ حاضنات أعمال تدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتعمل على نقل التقنية والمعرفة إلى الصناعة والمجتمع عبر شراكات تلبي متطلبات السوق. فالبحث العلمي في مجالات متقدمة مثل الطاقة المتجددة والزراعة المستدامة يعزز من تحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة التي تراعي الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية.

فالجامعات إذن ليست فقط مؤسسات تعليمية بل هي أيضاً محركات للتغيير الاجتماعي والاقتصادي، حيث تنشط في دعم القضايا الاجتماعية من خلال البرامج التوعوية والمبادرات الهادفة إلى تمكين المرأة والفئات المهمشة وتطوير المجتمع المدني. كما تلعب دوراً رئيساً في نشر ثقافة الحوار والتسامح وبناء الوعي بالقضايا البيئية والصحية، مما يخلق بيئة مجتمعية مستدامة ومتكاملة. عبر هذه البرامج، تتمكن الجامعات من ربط المعرفة النظرية بحل المشكلات الاجتماعية بطرق مبتكرة وفاعلة.

وفي الجانب الاقتصادي يمكن ذكر العديد من التجارب المتميزة على المستوى الدولي والعربي التي تُبرز دور الجامعات في التنمية المستدامة. فهناك العديد من الجامعات الاردنية والعربية التي طبقت نماذج استدامة ناجحة تضمنت إنشاء حاضنات أعمال داعمة لريادة الشباب وتوجيه بحوثها لخدمة المجتمع. وهناك جامعات تُعتبر نموذجاً رائداً في أبحاث الطاقة المتجددة والمياه، وتطوير التكنولوجيا النظيفة، وأخرى أسهمت في مشاريع صحية وبيئية مجتمعية مهمة تعزز التنمية الاجتماعية.

بالمقابل هناك العديد من التحديات التي تواجه الجامعات في تحقيق أهدافها تلك والتي تحتاج إلى معالجة آنية وسريعة لضمان استمرارية تأثيرها الإيجابي، والتي من أبرزها نقص التمويل المخصص للأبحاث، وصعوبة تطبيق نتائج البحث العلمي تطبيقا عمليا بسبب نقص التشبيك مع قطاعات الانتاج المختلفة، وعدم مواءمة المناهج الحالية لمتطلبات السوق، وتدني مستوى تدريب الهيئات التدريسية على وسائل التعلم والتعليم الحديثة. ومع ذلك، فإن تبني استراتيجيات حديثة تشجع على التكامل بين البحث العلمي والتعليم وخدمة المجتمع يمكن أن يعزز الدور التنموي والريادي للجامعات بدرجة كبيرة.

وفي الختام تؤكد العديد من الدراسات أن الجامعات قادرة على احداث التغيير إذا ما لعبت باهتمام تلك الأدوار التي تجعل منها حجر الزاوية في مسيرة التنمية المستدامة. فهي القادرة على تأهيل قيادات فكرية وتنموية، وهي القادرة على تطوير المناهج بدمج مفاهيم الريادة والابتكار، وادخال التقنيات الحديثة لجعل خريجيها ذوي قدرة على مواجهة المستقبل المتقلب. كما أنها قادرة على دعم البناء الاجتماعي من خلال برامج مجتمعية متكاملة تعزز النمو الاقتصادي. فتوفير بيئة تعليمية تشجع على الابتكار والريادة يعد استثمارا في الاجيال القادمة، حيث أصبحت ريادة الاعمال ضرورة ملحة في ظل التحول المتسارع في أسواق العمل. ولانجاح هذه الأدوار، يصبح توفير الدعم المالي والإداري واعداد الهيئات التدريسية القادرة على تنفيذ هذه البرامج ضرور ملحة لتحويل الجامعات حقاً إلى جسور للبناء والتنمية ومنصات للريادة والابتكار.