وجهات نظر

البرلمان .. دفاعاً عن المؤسسة

البرلمان ..  دفاعاً عن المؤسسة


لا عيب في البرلمان كمؤسسة، ولذا لا يجب النيل منه أو تشويه صورته، وإنما يجب ان يصب النقد على الاداء أو الأشخاص، وكما تقول الأغنية "العيب فينا يا بحبايبنا، أما الحب يا عيني عليه".

العيب ليس في المؤسسة البرلمانية التي أنجزها الأردنيون قبل قرن من الزمان، وكانت أقدم مؤسسات الدولة في الوقت الذي لم تعرف دول عديدة ما هو البرلمان ولم تشهد بناءه أو تستعمله كوسيلة في الحكم لتمثيل الشعب.

نعتز بوجود برلمان أردني في بلادنا، وأنه بقي يعمل إلا في فترات طارئة مبررة ، فقد كان الملوك الهاشميون عبر الممالك الاربع ومنذ أطلق فكرته الأولى الأمير عبد الله الأول، حيث جرت أول انتخابات في 2/4/1929، حريصين على أن يكون النظام نيابياً أولاً وقبل أي صفة أخرى، وهذا ما نص عليه الدستور بشكل واضح ولم يجر التفريط به حتى الآن.

لم يكن سهلاً أن يمتلك الأردنيون برلماناً أخذ طريقه للنضوج والتكامل والتدرج الى أن أصبح على ما هو عليه من التكامل والتميز بين برلمانات الإقليم كله

فقد واجه الأردن ضغوطاً كبيرة لتبقى نبتة البرلمان حية في بيئة متصحرة، متعطشة للديموقراطية والمشاركة أدمنت الحكم المطلق في كثير من الأحيان، وكان الشعار العام الملوح به "حط رأسك بين الروس... الخ"، وليس صحيحا أنه "إذا أنجن جماعتك عقلك ما بنفعك".والصحيح ينفعك وينجيك وكان لنا في ذلك تجارب

في فترات معينة كانت ولادة مناخ ديمقراطي مزعجة للبعض وكان البعض يستكثر علينا أن يكون لدينا برلمان يضمن التمثيل والمشاركة

، وقد بذل الاردنيون جهوداً عظيمة ليدركوا بناء البرلمان، لتتوفر لهم الصيغة الحالية التي مازالت تصعد، وقد بدأوا بالمجالس التشريعية الخمسة التي تتالت من عام 1923 الى عام 1946، حيث بدأ البرلمان الأول عام 1946، وما زالت المسيرة تتطور ...، لم تكن المسيرة سهلة، فقد أمسك الأردن ببرلمانه ودارى على شمعته حتى لا تنطفئ وسط أنواء وأمواج عاتية

، ووسط منطقة متحركة مثل كثبان الرمل كما وصفها الراحل الحسين.

قد لا يكون برلماننا بقدم وتقاليد البرلمان البريطاني الذي قام قبل أكثر من ثلاثمائة سنة، وقد لا يكون في مستوى البرلمانات العريقة الأخرى، ولكننا نشعر بالرضى أننا أنجزنا وأننا قطعنا أشواطا بعيدة خاصة في السنوات الأخيرة بتطوير البرلمان وتشريعاته ومكوناته وحضور الاحزاب فيه وتحديدا في البرلمان العشرين ليستطيع ان يكون حاضنة مناسبة للاحزاب وأن يضمن أن تبنى من خلاله ديمقراطية أكثر رسوخاً وتمثيلاً، وهو المطمح الذي تحدث عنه جلالة الملك، وهو بشارة الأردنيين في خوص مرحلة للإصلاح السياسي باعادة انتاج برلمان تشارك فيه الأحزاب والمرأة بالكوتا وغيرها ويكون اكثر ملائمة لتمكين الأحزاب من صناعة الحكومات.

يخلط الكثيرون بين نقد البرلمان كمؤسسة دستورية مستقلة وسيدة نفسها قائمة بموازاة السلطات الأخرى التنفيذية والقضائية وبين نقد الأداء والبرامج والأشخاص، فذلك شأن أخر ولا بد من إدراك ذلك.بوعي

البرلمان هو إطار وهو حاضنة للتفاعلات وصناعة التشريع، ومتابعته والرقابة ومنع تغول السلطات ووظائف اخرى أساسية وفرعية، والعالم لا يتفهم وجود دول بلا برلمانات اي بلا مشاركة شعبية،

فتلك الدول تبقى في منظور العالم ناقصة في تجربتها اذ لا يكتمل بناء الدولة باعتبارها ، أعظم إنجاز للبشرية المعاصرة.الا بمؤسسة برلمانية فاعلة

صناعة البرلمان ليست سهلة، وتحتاج الى خبرة وتراكم، وقد اعتز الأردنيون بالتجربة وطوروها

منذ عام 1923، حيث بدا البرلمان بمجالس تشريعية، استطاع نظام الحكم ان يبني مؤسسات كثيرة وأن يحافظ على الوطن وان يضمن المشاركة الشعبية.

في مراحل محددة تغولت الحكومات على البرلمان وبدل أن يطالها النقد والمحاسبة على سياساتها التي لم توفق فيها وقد اصابها الإخفاق ، كانت تدفع باتجاه تحميل البرلمانات المسؤولية كما لو ان البرلمان هو من يتحمل المسؤولية، بل كانت تسمح بنقده عبر وسائل إعلام تسيطر عليها ولا تسمح ان تنقد هي على قصورها.

ولذا تعود المواطن الذي كان يرى البرلمان غالباً من خلال وسائل الإعلام أن يستسيغ النقد وتحميل البرلمان المسؤولية، رغم ان الخطأ في ضعف البرلمانات يعود غالباً الى مسؤولية المواطن الذي ينتخب وبأساليب تستحق الكثير من النقد، سواء لجهة القوانين او لجهة التراكيب الاجتماعية العشائرية أو الجهوية أو صلات الاقارب.

لا يمكن أن يكون البرلمان كله كما نتمنى مجموعة من العلماء المميزين بالعمل والمبادرة والتخطيط ، لأن البرلمان هو انعكاس لفئات وشرائح المجتمع وهو مثل اصابع اليد لا تتشابه فيها الأصابع، فالبرلمان ممثل لشرائح مختلفة اقتصاديا واجتماعيا وثقا فيا تعيش مصالحها.

ومن هنا يأتي التنوع واختلاف الأنسياب والاداء فيه،

لقد لعبت كثير من الحكومات دور المحرض لوسائل الاعلام لاستهداف البرلمان في مراحل عدة وصورته، حين كانت تريد الهروب بصورتها من نقد الشارع لادائها، الذي يتحمل المسؤولية، وهذا لا يصح، ونحن بحاجة إلى دراسات واستبيانات لمعرفة كيف ينظر الجمهور للبرلمان ورسالته ودوره وتصويب العلاقة مع الشارع بوسائل علمية بعيدة عن المصالح الشخصية والحملات المغرضة والتشويش فالبرلمان لنا ومنا وفينا ونحن من نوصل اعضاء مجالسه لتمثيلنا ولا يجوز ان نسمح بالنيل منه او مهاجمته فهو في هذا البعد محمي بالدستور شأن السلطات الأخرى وكما انه لايجوز مهاجمة القضاء كمؤسسة مستقلة فهي محمية من الدستور ايضا والمطلوب حملة إعلامية واعية للدفاع عن المؤسسة البرلمانية وإثراء دورها والتوعية به واهميته فموقع البرلمان في الجسم الاردني هو كموقع الرئة في الجسم وهو موقع لابد ان يحمى ويصان ليؤدي دوره بجودة واتقان