وجهات نظر

إيران بلا حلفاء

إيران بلا حلفاء

كشفت الحرب الأخيرة الإسرائيلية / الأمريكية – الإيرانية إنكشاف ظهر طهران، نعم لقد بنت إيران خلال الثلاثة عقود الأخيرة على الأقل علاقات استراتيجية مع روسيا والصين، بالإضافة إلى بناء وتقوية أذرعها في المنطقة، لكن ما حدث كان مغايرا للسياق الطبيعي، ففي حين سارعت أمريكا بدعم إسرائيل بالأسلحة والذخائر والمعلومات الاستخبارية، وسخرت الأقمار الصناعية للآلة العسكرية الأسرائيلية، ولم تتردد في لحظة الحاجة من التدخل المباشر في المعركة من خلال قاذفاتها الاستراتيجية B2 وضربت تحصينات المواقع النووية الإيرانية، هذا كله في العلن ودون تورية، ناهيك عن الدعم الدبلوماسي والقوي لإسرائيل، في المقابل لاذ ما يفترض بهم حلفاء إيران الاستراتيجيين بالصمت شبه الكامل، فجاءت حتى الإدانات باهتة وبغير تأثير، وتصرفوا كوسطاء لا كحلفاء إيران، واعتقد أن هذا أشعر الإيرانيين بخيبة أمل كبيرة، ووجدوا أنفسهم وحدهم في المعمعة، وأن هذا الحلف المفترض كان بلا فعالية على أرض الواقع، بل حتى يتبادر للذهن هل كان هناك حلف حقيقي بين هذا الثلاثي أم مجرد علاقات تنسيق مصالح آنية محدودة المساحة؟

ربما توقيت الحرب كان مدروسا حتى لا يكون في صالح إيران، نعم لا يوجد شيء بلا خطة كما صرح ترامب، أثبت التاريخ الحديث أن الصين لا تتورط عسكريا خارج حدودها، فهي لا ترسل قوات من أي نوع لتتدخل عسكريا لصالح أي حليف لها، وهي غالبا لا تطرح الخيار العسكري في بناء نفوذها وحماية مصالحها، إلا كخيار أخير بعيد وغير مستحب، حتى في صراعها مع حكام جزيرة تايون الإنفصاليون، رغم أن موازين القوة العسكرية لصالح الصين بدرجة كبيرة جدا، مع أن حكومة تايوان غير معترف بها كدولة مستقلة حتى من أمريكا، لنجد أن الصين منذ نصف قرن تلوح بالخيار العسكري ولا تستخدمه، إذن الصين ربما تدعم اقتصاديا ونادرا تسليحا، وتضغط دبلوماسيا أحيانا، ونحن نعرف أن القوة الدبلوماسية دون ذراع عسكري فعال لا تترك أثرا حاسما في القضايا الكبرى، خاصة تزامن ضرب إيران مع حرب الرسوم والضرائب التي تشنها أمريكا على الصين، وهي معركة أكثر أهمية وأفضل مردودا للصين من مساندة إيران في مواجهة خاسرة.

كان من المتوقع موقفا أكثر حزما من روسيا، وأن يكون للرئيس الروسي بوتين قول فصل في هذا الصراع، لكن التوقيت أيضا كان لصالح إسرائيل، فروسيا تخوض حربا شرسة منذ ثلاث سنوات تقريبا ليس مع أوكرانيا فقط، بل ومع الغرب "حلف الناتو" وأمريكا على الأقل خلال فترة بايدن من خلال جبهة أوكرانيا، كما أن هذه الحرب ونتائجها ذات أهمية وجودية واستراتيجية بالنسبة لروسيا، فروسيا غير قادرة على فتح جبهات جديدة تستنزف قواها، والحرب مشتعلة على حدودها وبالقرب من مدنها، فسقط نظام الأسد دون مساندة من روسيا، وضُربت إيران ضربتاً كبيرة، وتكلم الروس بلغة الوسيط، وسبقها تنديد وإن اشتدت لغته لكنه بلا أثر وتأثير، ربما هو صمت مقابل تسهيلات أكثر وموقف أمريكي أكثر تفهما لمطالب الروس في مباحثات السلام مع الأوكرانيين، وهذا سيتضح أكثر في القادم القريب، لكن ما حدث كشف ظهر إيران، التي وجدت نفسها وحيدة، لا حلف يساند ولا أذرع قادرة على الدعم، إذن المعادلة تغيرت، ومفاوضات البرنامج النووي ستكشف بصورة أكبر حجم هذا الواقع الجديد بالنسبة لإيران.