الملك تصفيق يصل الى الوقوف
تذكرت الزميل الراحل عبد الله حجازي، حين قال لي الزميل الدكتور، خالد الشقران، بلا مقدمات، (غيره)، فقلت ماذا غيره... قال الم تتعود علي، عبد الله حجازي حين كان يطلب في وقت متأخر مقالا غير الذي كتبته، لتظل الكتابة سارية.
فهمت وتذكرت أنني يجب أن أكتب عن مناسبة مميزة، وهي خطاب جلالة الملك أمام البرلمان الأوروبي أمس الثلاثاء والذي كان مؤثراً ومدوياً بالتصفيق الذي تكرر وقوفاً عدة مرات، وهي من الحالات القليلة التي يشهدها البرلمان الأوروبي حين يتكلم فيه قادة وزعماء.
قرأت الخطاب الذي أخذ مضموناً فلسفيا واقتصادياً وسياسياً، وشخص الحال العالمي وحالة فقدان البوصلة دوليا وانعدام البصيرة الذي تسبب في تدفق الحروب واستعارها وتوسع مساحتها حتى لم يكد مكان في العالم يخلو من اعراضها وتأثيراتها بصورة مباشرة وغير مباشرة.
نزعة الحكم والعقل التي تكلم بها الملك عبد الله وأدركها الاوروبيون من خلال خطاباته أمامهم وفي محافلهم، كداعية للحكمة والسلام والتعاون، واختبار الارادة والتزام الحق والعدل، ذكرتني في التراث العربي القديم بما قاله اثنان من حكماء العرب وقادتهم في الزعامة وهما، الهرم بن سنان والحارث بن عوف، اللذان تدخلا لايقاف الحرب المستعرة التي دارت بين عبس وذيبان من قبائل العرب بعدما أفنت الحرب القبيلتين وتركت قتلى وجرحى ومشوهين، وقد ذكر فصول تلك المأساة وجهد الحكيمين في وقف الحرب الشاعر الشهير، زهير بن أبي سلمى، في معلقته، حين وصفهم بأنهم تداركوا القتل وتدخلوا لوقفه وحقنوا الدماء واستعدوا لأن يكونوا دعاة سلام وحكمة تلجأ الناس اليهم، فقال زهير
تَدَارَكْتُـمَا عَبْسًا وَذُبْيَانَ بَعْدَمَـا تَفَـانَوْا وَدَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشَـمِ
وَمَا الحَـرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُـمُ وَمَا هُـوَ عَنْهَا بِالحَـدِيثِ المُرَجَّـمِ
مَتَـى تَبْعَـثُوهَا تَبْعَـثُوهَا ذَمِيْمَـةً وَتَضْـرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُـوهَا فَتَضْـرَمِ
فتنتج لكم غلمان اشأم كلهم
كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
لست بحاجة الى سر د كل القصيدة أو شرحها، فيمكن الرجوع الى ذلك، وفي أحد واهم وثيقة عربية في الدعوة للسلام.
لقد لعب الملك عبد الله الثاني، هذا الدور عربياً في تدخله الإيجابي وفي أكثر من صراع لوقفه وإحلال المصالحة والسلام، وما زال يلعب.
وها هو يحمل نفس الرسائل وحقن الدم وتبصير المجتمعات الأوروبية من خلال برلمانها الشهير بالقيم العربية والإسلامية وقيم التسامح التي تحدث عنها وكيف أن العالم عرف طريقاً للسلام في هذه المنطقة، ولكنه اضاع الآن هذه الطريق وفقد البصر والبصيرة وما زال يتخبط وقدم الملك الأمثلة من غزة، حيث حرب الابادة التي اعلنتها اسرائيل، ظناً أن هذا طريق موصل لتكتشف أن طريق الوحل ولا يمكن ان يفضي الى سلام أو استقرار، وتحدث عن ما يجري في الضفة الغربية، محذراً وعن تجدد الصراع في منطقتنا التي وصفها الملك الراحل، الحسين، ذات خطاب أنها تعوم فوق كثبان رملية متحركة وانها قابلة للاشتعال ما لم يحدث سلام حقيقي.
صفق الحضور، وتقدمت رئيسة البرلمان الاوروبي لتقدم تصفيق وابتسامة وعيون لامعة، فهي تنتظر مثل هذه المناسبة لتسمع ما يقول واحد من ابرز الزعماء الذين مزجوا حديث القيم بالفلسفة والأخلاق وممن لا يملون قرع الجرس، محذرين وداعين ومبصرين لطريق على العالم أن يسلكها إن أراد السلامة لأجياله بعيداً عن صراع وجهات النظر والايدولوجيات المفرقة والغرق في التعصب المذهبي والديني والعرقي والخرافات التي تسفك الدماء وتجور في الأرض.وتقتل الإنسان
تحدث الملك بعمق عن فلسطين ونبه من المخاطر، وأثبت أن في الشرق حكمة يمكن أن تاتي الى الغرب، حتى وإن كان الغرب متفوقاً في مجالات عديدة من علوم وتكنولوجيا وحقوق الانسان، وهي معطيات لا بد من التذكير بها واحيائها، لأنها بدت تغيب وبدت هويتها تمسح، وبدا الصراع يأخذ شكل الصراع على وجهات النظر والغطرسة والتعصب وليس احتلال الأرض كما الحروب القديمة واصبحت هوياتنا كشعوب في الامتحان إما أن يحافظ عليها أو تفقد.وتمسح
تحدث الملك في مواضيع عدة، أكثرها ركز على حروب المنطقة الجديدة والمتجددة، ودعا كل صاحب حكمة وبصيرة أن يقف مع الحق والعدل قبل فوات الأوان، وقبل أن يفقد هذا العالم عقله واستقراره.
حمل الملك الى الغرب، الى البرلمان الأوروبي، قيماً من التسامح والاخاء والتشاركية، وكأنه يقول للمستمعين الذين حرصوا على سماعه وحضوره (هذه بضاعتكم التي انكرتموها ردت اليكم)، وهذا يذكر ما قاله علماء الشرق وكتابه وادباؤه لأبن عبدربه الاندلسي، عندما ارسل اليهم من الاندلس كتابه العقد الفريد الى بغداد وقراؤه وقالوا (هذه بضاعتنا ردت الينا).
لم تعد المعرفة في هذا العصر كافية، بل لا بد من توظيف المعرفة وانفاذ دروسها وعبرها، ولا بد من تعظيم القيم الانسانية والدفاع عنها لتبقى لنا انسانيتنا التي سحبتها الحرب والأطماع والغطرسة والصراعات.
الملك قرع الجرس وجعل كثيرا من العقول والافئدة تنتبه وتصفق بل وتمعن في التصفيق بالوقوف تأثراً واهتماماً.واحتراما
الملك عرض الخبرة الأردنية وتراكم تجربتها ليضعها أمام الأوروبيين الذين وأن تفوقوا، فهم بحاجة اليها والى سماعها، فالأردن يستطيع أن يعمل الكثير، وقد ذكرهم بذلك بالرغم من مساحته وامكانياته المادية، فالحكمة لا تقتصر على الاغنياء، فالدول الكبرى خاصة بعد أن قسا الضمير العالمي وفقد العالم البصيرة، ولم يعد يبصر.
نعتز بالدور الملكي وبالحجم الذي وضع فيه الملك بلدنا، كأيقونة ينظر لها باحترام واهتمام، ونحن معه وعلى العالم أن يسمع وأن لا تتجاوز أسماعه صراخ الأطفال المنكوبين بالحروب والمجاعات.
تذكرت الزميل الراحل عبد الله حجازي، حين قال لي الزميل الدكتور، خالد الشقران، بلا مقدمات، (غيره)، فقلت ماذا غيره... قال الم تتعود علي، عبد الله حجازي حين كان يطلب في وقت متأخر مقالا غير الذي كتبته، لتظل الكتابة سارية.
فهمت وتذكرت أنني يجب أن أكتب عن مناسبة مميزة، وهي خطاب جلالة الملك أمام البرلمان الأوروبي أمس الثلاثاء والذي كان مؤثراً ومدوياً بالتصفيق الذي تكرر وقوفاً عدة مرات، وهي من الحالات القليلة التي يشهدها البرلمان الأوروبي حين يتكلم فيه قادة وزعماء.
قرأت الخطاب الذي أخذ مضموناً فلسفيا واقتصادياً وسياسياً، وشخص الحال العالمي وحالة فقدان البوصلة دوليا وانعدام البصيرة الذي تسبب في تدفق الحروب واستعارها وتوسع مساحتها حتى لم يكد مكان في العالم يخلو من اعراضها وتأثيراتها بصورة مباشرة وغير مباشرة.
نزعة الحكم والعقل التي تكلم بها الملك عبد الله وأدركها الاوروبيون من خلال خطاباته أمامهم وفي محافلهم، كداعية للحكمة والسلام والتعاون، واختبار الارادة والتزام الحق والعدل، ذكرتني في التراث العربي القديم بما قاله اثنان من حكماء العرب وقادتهم في الزعامة وهما، الهرم بن سنان والحارث بن عوف، اللذان تدخلا لايقاف الحرب المستعرة التي دارت بين عبس وذيبان من قبائل العرب بعدما أفنت الحرب القبيلتين وتركت قتلى وجرحى ومشوهين، وقد ذكر فصول تلك المأساة وجهد الحكيمين في وقف الحرب الشاعر الشهير، زهير بن أبي سلمى، في معلقته، حين وصفهم بأنهم تداركوا القتل وتدخلوا لوقفه وحقنوا الدماء واستعدوا لأن يكونوا دعاة سلام وحكمة تلجأ الناس اليهم، فقال زهير
تَدَارَكْتُـمَا عَبْسًا وَذُبْيَانَ بَعْدَمَـا تَفَـانَوْا وَدَقُّوا بَيْنَهُمْ عِطْرَ مَنْشَـمِ
وَمَا الحَـرْبُ إِلاَّ مَا عَلِمْتُمْ وَذُقْتُـمُ وَمَا هُـوَ عَنْهَا بِالحَـدِيثِ المُرَجَّـمِ
مَتَـى تَبْعَـثُوهَا تَبْعَـثُوهَا ذَمِيْمَـةً وَتَضْـرَ إِذَا ضَرَّيْتُمُـوهَا فَتَضْـرَمِ
فتنتج لكم غلمان اشأم كلهم
كأحمر عاد ثم ترضع فتفطم
لست بحاجة الى سر د كل القصيدة أو شرحها، فيمكن الرجوع الى ذلك، وفي أحد واهم وثيقة عربية في الدعوة للسلام.
لقد لعب الملك عبد الله الثاني، هذا الدور عربياً في تدخله الإيجابي وفي أكثر من صراع لوقفه وإحلال المصالحة والسلام، وما زال يلعب.
وها هو يحمل نفس الرسائل وحقن الدم وتبصير المجتمعات الأوروبية من خلال برلمانها الشهير بالقيم العربية والإسلامية وقيم التسامح التي تحدث عنها وكيف أن العالم عرف طريقاً للسلام في هذه المنطقة، ولكنه اضاع الآن هذه الطريق وفقد البصر والبصيرة وما زال يتخبط وقدم الملك الأمثلة من غزة، حيث حرب الابادة التي اعلنتها اسرائيل، ظناً أن هذا طريق موصل لتكتشف أن طريق الوحل ولا يمكن ان يفضي الى سلام أو استقرار، وتحدث عن ما يجري في الضفة الغربية، محذراً وعن تجدد الصراع في منطقتنا التي وصفها الملك الراحل، الحسين، ذات خطاب أنها تعوم فوق كثبان رملية متحركة وانها قابلة للاشتعال ما لم يحدث سلام حقيقي.
صفق الحضور، وتقدمت رئيسة البرلمان الاوروبي لتقدم تصفيق وابتسامة وعيون لامعة، فهي تنتظر مثل هذه المناسبة لتسمع ما يقول واحد من ابرز الزعماء الذين مزجوا حديث القيم بالفلسفة والأخلاق وممن لا يملون قرع الجرس، محذرين وداعين ومبصرين لطريق على العالم أن يسلكها إن أراد السلامة لأجياله بعيداً عن صراع وجهات النظر والايدولوجيات المفرقة والغرق في التعصب المذهبي والديني والعرقي والخرافات التي تسفك الدماء وتجور في الأرض.وتقتل الإنسان
تحدث الملك بعمق عن فلسطين ونبه من المخاطر، وأثبت أن في الشرق حكمة يمكن أن تاتي الى الغرب، حتى وإن كان الغرب متفوقاً في مجالات عديدة من علوم وتكنولوجيا وحقوق الانسان، وهي معطيات لا بد من التذكير بها واحيائها، لأنها بدت تغيب وبدت هويتها تمسح، وبدا الصراع يأخذ شكل الصراع على وجهات النظر والغطرسة والتعصب وليس احتلال الأرض كما الحروب القديمة واصبحت هوياتنا كشعوب في الامتحان إما أن يحافظ عليها أو تفقد.وتمسح
تحدث الملك في مواضيع عدة، أكثرها ركز على حروب المنطقة الجديدة والمتجددة، ودعا كل صاحب حكمة وبصيرة أن يقف مع الحق والعدل قبل فوات الأوان، وقبل أن يفقد هذا العالم عقله واستقراره.
حمل الملك الى الغرب، الى البرلمان الأوروبي، قيماً من التسامح والاخاء والتشاركية، وكأنه يقول للمستمعين الذين حرصوا على سماعه وحضوره (هذه بضاعتكم التي انكرتموها ردت اليكم)، وهذا يذكر ما قاله علماء الشرق وكتابه وادباؤه لأبن عبدربه الاندلسي، عندما ارسل اليهم من الاندلس كتابه العقد الفريد الى بغداد وقراؤه وقالوا (هذه بضاعتنا ردت الينا).
لم تعد المعرفة في هذا العصر كافية، بل لا بد من توظيف المعرفة وانفاذ دروسها وعبرها، ولا بد من تعظيم القيم الانسانية والدفاع عنها لتبقى لنا انسانيتنا التي سحبتها الحرب والأطماع والغطرسة والصراعات.
الملك قرع الجرس وجعل كثيرا من العقول والافئدة تنتبه وتصفق بل وتمعن في التصفيق بالوقوف تأثراً واهتماماً.واحتراما
الملك عرض الخبرة الأردنية وتراكم تجربتها ليضعها أمام الأوروبيين الذين وأن تفوقوا، فهم بحاجة اليها والى سماعها، فالأردن يستطيع أن يعمل الكثير، وقد ذكرهم بذلك بالرغم من مساحته وامكانياته المادية، فالحكمة لا تقتصر على الاغنياء، فالدول الكبرى خاصة بعد أن قسا الضمير العالمي وفقد العالم البصيرة، ولم يعد يبصر.
نعتز بالدور الملكي وبالحجم الذي وضع فيه الملك بلدنا، كأيقونة ينظر لها باحترام واهتمام، ونحن معه وعلى العالم أن يسمع وأن لا تتجاوز أسماعه صراخ الأطفال المنكوبين بالحروب والمجاعات.