وجهات نظر

وزارة العمل بين الاشتباك وتمرير المعاملات .. والوقت!

وزارة العمل بين الاشتباك وتمرير المعاملات ..  والوقت!

تعامل الأردنيون مع أزمة العاملين في القطاع غير الرسمي أثناء مرحلة وباء كورونا وكأنهم هبطوا فجأة من السماء، وتصاعد النقاش حول نوعية العاملين والأعمال نفسها ليتطلب الأمر مراجعة شاملة بدأت من هذه المفاهيم غير المتخيلة بالنسبة للمواطن الأردني الذي أنتجته دولة الرعاية، وما زال هو الذي يفرض ثقافته ومعاييره، ويضع الضغوطات على الجميع، وربما في المقدمة الأجيال الجديدة في أسرته وعائلته، ولا يستثني من ذلك الحكومة التي يريدها أن تعود إلى مراحل سابقة، متناسيًا، وكطبيعة أي تفكير انتقائي، أن الممارسات التي جعتله يتخيل العمل بوصفه خطًا موازيًا للحياة هي التي قادت الأردن إلى أعمق أزماته الاقتصادية سنة 1989، وأنه دفع الثمن المرة بعد الأخرى نتيجة ذلك، كما ويتجاهل، أن فكرته عن العمل لا تتسق من حيث المبدأ مع الحاضر والمستقبل على السواء.

تفاعلت الكثير من الأحاديث المرتبطة بالعمل خلال السنوات الماضية، لم تبدأ من العمالة الوافدة، ولم تنته عند الضمان الاجتماعي، وبقيت نسبة البطالة المرتفعة مؤشرها الرئيسي باستقرارها فوق هامش 20% منذ العام 2020، وبقاء الأردن بين أعلى عشر دول في العالم في نسبة البطالة، وباستقراء سوق العمل فإن مشكلاته لا تتوقف عند أثرها الاقتصادي، خاصة لوجود بعض البدائل المؤقتة التي أتاحت فرصًا للعمل في قطاعات مواصلات التطبيقات وتوصيل الطلبات Gig Workers، ولكنها تمتد لتعكس رغبة أعداد كبيرة من الشباب الأردني في دخول سوق العمل والخروج من حالة التبطل بما تحمله من تكلفة نفسية واجتماعية.

كثيرًا ما تأرجحت الخطوات الجريئة في مقاربة أزمات سوق العمل وبعض من مفارقته، ومنها أعداد العمالة الوافدة التي تفوق تعداد العاطلين عن العمل من الأردنيين، وذهبت وزارة العمل في حالات أخرى إلى الجانب التنظيمي والتفاعل السلبي مع الأطراف التي تشكل سوق العمل، مع الاعتراف بحقيقة أن الوزارة ليست الجهة المسؤولة عن توفير فرص العمل للأردنيين، أو صاحبة الحلول السحرية في التعامل مع قضايا معقدة وعابرة للأجيال.

اتخذت وزارة العمل في الفترة الماضية قرارات صعبة بخصوص العمالة الوافدة، وبدأت الاشتباك مع القطاع غير المنظم في الأردن، وهو الذي يوفر نحو 1.5 مليون فرصة عمل دائمة ومؤقتة، ويبقى بمثابة الصندوق الأسود نتيجة لخشية الأردنيين من الخضوع للأطر التنظيمية لأسباب اقتصادية وأخرى ثقافية، ومع تفكيك تفاصيل هذا القطاع يمكن الوقوف على الحلول التي تصنف العاملين فيه وتتفهم احتياجاتهم وفرص نقلهم إلى شراكات تزيد من كفائته وتوفر لهم فرصًا لتحقيق الأمان الاجتماعي من خلال المظلات المتاحة.

ليس لوزارة العمل تلك الجاذبية في التغطيات الصحفية مثل وزارات الصحة والمدارس حيث تتداخل المستشفيات والمدارس مع حياة المواطنين اليومية، ويمكن إسداء الزيارات الميدانية من جميع الأطراف لأماكن يعرف عنوانها بالتفاصيل، ولذلك فالنظر لقرارات الوزارة يتم من منظور العاملين وأصحاب العمل، وهو ما يجعله متحيزًا وغير منصف في الغالب، وعادةً ما يعكس الرؤية للمصالح قصيرة المدى، بينما تحتاج جهود الوزارة إلى فترات زمنية طويلة من أجل أن تظهر آثارها على التوازنات الاقتصادية القائمة.

الكثير من القرارات المهمة وضعت حيز التنفيذ أو ستدخله قريبًا، وهي خلاصة عمل مرهق بدأه الوزير خالد البكار ويبدو أنه استثمر خبرته النيابية وبقاءه لسنوات وسط كثير من التراشقات الخاصة بالحقوق العمالية والمطالب الشعبية بالتعامل مع مشكلة البطالة في العديد من المحطات ذات الطبيعة التفاوضية، فالحديث عن وضع مثالي بتخفيض العمالة الوافدة بنسب فادحة يمكن أن يؤدي إلى اختلالات في قطاعات كثيرة تمول الخزينة بالضرائب والرسوم ويعود نتاج أعمالها للمواطن الأردني في النهاية، ولكن الجرأة في مقاربة الحديث عن رفع الحد للأجور وعلاقته بتخفيض البطالة ينعكس على رؤية اقتصادية تتجاوز الأثر قصير المدى في فكر الوزير الذي يبدو أن قرر أن يدخل بالوزارة في مأزق العمل والتفاوض والاشتباك، ويخرج من خانة التنظيم وتمرير المعاملات والوقت أيضًا.