وجهات نظر

نبرة حادة تجنبها الآخرون

نبرة حادة تجنبها الآخرون

للعلّم -
الذي يعود إلى تصريحات أغلب الزعماء العرب والمسلمين يجدها منخفضة النبرة بشأن غزة، أو ملفات المنطقة، ويترك أغلب هؤلاء التعبيرات لمن هم أقل موقعا ومكانة منهم، أي لأي مسؤول آخر في دولهم، وذلك لاعتبارات مختلفة.

والذي للأردن يجب أن يقال، حتى لا يستدرجنا كثيرون إلى خانات النقد للأردن وهي خانات يختلط فيها حسن النوايا، مع سوء النوايا، في حالات كثيرة.

الملك وهو ليس بحاجة إلى مجاملة مني ولا من غيري، وربما يمقت المجاملات كثيرا، يخرج أمام البرلمان الأوروبي، أمس، ويوجه نقدا مباشرا إلى العالم، حول ملفات كثيرة أبرزها ملف غزة، وهو لا يختار هنا مؤسسة محلية ليقول هذا الكلام، ولا مؤسسة ثانوية، ولا رسالة شعبية عبر الإعلام، بل يقف أمام البرلمان الأوروبي بما يعنيه من ثقل دولي، ليحمل العالم مسؤوليته الأخلاقية، كملك أردني وعربي ومسلم، يتفرد بقدرته على التعامل مع الغرب، وكيفية التأثير عليهم.

يمثل البرلمان الأوروبي مواطني دول الاتحاد الأوروبي، ويُنتخب أعضاؤه مباشرةً من قِبلهم، ويتخذ البرلمان قراراتٍ بشأن القوانين الأوروبية بالاشتراك مع مجلس الاتحاد الأوروبي، ويتكون البرلمان من 705 أعضاء منتخبين بالانتخاب المباشر، وهو يمثل ثاني أكبر ديمقراطية انتخابية في العالم، وهو أكبر دائرة انتخابية ديمقراطية في العالم، يشترك فيها قرابة 400 مليون ناخب أوروبي، ويعد من حيث التأثير أهم بكثير من أغلب المؤسسات الدولية، ويؤثر على الشعوب والحكومات الأوروبية، ولهذا لا يمكن التهوين من أثر مخاطبة البرلمان سياسيا.

على الرغم من نظرتنا السلبية إلى المؤسسات الدولية وتراجع دورها إزاء قضايا المنطقة، إلا أن الأردن لا يتخلى عن سياسته بالدفاع عن المنطقة، وتحديدا قضية فلسطين، خصوصا، حين تغيب بقية الأصوات، فيبقى الأردن هنا صوتا سياسيا مؤثرا، وله مكانته بين دول العالم، يوظفها لحماية الأردن، وأهل المنطقة أيضا.

يخرج الملك يوم أمس في خطابه أمام البرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورغ الفرنسية، ويقول بشكل مباشر إن العالم خذل غزة ويوجه نقدا ويقول.. "يتجه هذا العالم نحو انحدار أخلاقي، إذ تنكشف أمامنا نسخة مخزية من إنسانيتنا، وتتفكك قيمنا العالمية بوتيرة مروّعة وعواقب وخيمة، ويتمثل هذا الانحدار بأوضح أشكاله في غزة، التي خذلها العالم، وأضاع الفرصة تلو الأخرى في اختيار الطريق الأمثل للتعامل معها، كيف يعقل لإنسانيتنا أن تسمح بأن يصبح ما لا يمكن تصوره أمرا اعتياديا، أن تسمح باستخدام المجاعة كسلاح ضد الأطفال، أو أن تسمح باستهداف العاملين في القطاع الصحي والصحفيين والمدنيين الذين يبحثون عن الملجأ في المخيمات؟"... ويصف الملك ما يجري في غزة بالوحشية ويقول.. "لو عدنا بالذاكرة إلى عام 2023، أثارت أولى الهجمات والغارات الإسرائيلية على مستشفى في غزة آنذاك صدمة وغضبا عالميا، ومنذ ذلك الحين، وثّقت منظمة الصحة العالمية ما يقارب 700 هجوم على مرافق الرعاية الصحية في غزة، كيف يعقل لما كان يعتبر فعلا وحشيا قبل 20 شهرا فقط، أن يصبح الآن أمرا شائعا".

يطلق في خطابه إشارات حساسة حول الفترة المقبلة، بدأها بإيران حيث يقول.. "مع توسيع إسرائيل هجومها ليشمل إيران، أصبح من غير الممكن معرفة أين ستنتهي حدود هذه المعركة، الأمر الذي يهدد الشعوب في كل مكان.." مشيرا في فقرة ثانية من خطابه، إلى أنه.. "من المرجح أن يكون هذا العام عام القرارات المحورية لعالمنا بأسره، وسيكون لقيادة أوروبا دور حيوي في اختيار الطريق الصحيح، ويمكنكم الاعتماد على الأردن كشريك قوي لكم".

إذا أجرينا مقارنة بين هذا الخطاب وبقية الصياغات الأردنية والعربية والإسلامية والدولية خلال العامين الأخيرين، يعد هذا الخطاب الاكثر حدة في نبرته في قلب أوروبا، دون تعبيرات منخفضة، خصوصا، فيما يتعلق بخذلان العالم لغزة، وهي لغة مباشرة جدا، فوق الإشارات المستقبلية حول حرب إيران التي تتوسع وقد تشمل كل المنطقة، وحاجة العالم إلى تدخل القوى الوازنة فيه لردع الاعتداءات على شعوب المنطقة، وهي قراءة خلفها الكثير من المعلومات والتوقعات أيضا.

هذا هو الخطاب السادس للملك أمام البرلمان الأوروبي الذي يمثل الأوروبيين كشعوب تختار أعضاء البرلمان، وهو منصة ليست شكلية أو عابرة بل يوظفها الأردن بشكل مؤثر، لمكاشفة الشعوب الأوروبية بما يجري، وليس إبراء للذمة.