حل الأحزاب قضائيا: حماية للدستور أم تضييق للحريات؟
أعلنت الهيئة المستقلة للانتخاب قبل أيام اعتبار حزب «رؤية» السياسي منحلا حكما، وذلك في ضوء صدور القرار القضائي عن محكمة بداية حقوق عمان بحله بسبب مخالفته أحكام القانون، ليكون هذا الحزب هو الثاني الذي يتقرر حله بحكم قضائي.
إن تكرار حالات إنهاء الأحزاب السياسية في مرحلة التحديث السياسي يثير تساؤلات حول ما إذا كان هذا الإجراء يعد حماية للدستور أم أنه عمل تعسفي يتنكر للحقوق والحريات الفردية، وفي مقدمتها الحق في تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام إليها.
إن ما لا شك فيه أن الأحزاب الوطنية تعد ركيزة أساسية للديمقراطية ومحركا رئيسا للعملية السياسية؛ فهي الأداة التي يمارس من خلالها الأفراد حقهم في التعبير عن الرأي والمشاركة في الشأن العام. من هنا، تحرص الدساتير الوطنية على إيراد نصوص صريحة تكفل الحق في إنشاء الأحزاب السياسية، شريطة أن تراعي أحكام القانون، وألا تمس بالأمن القومي والمصلحة العليا للدولة.
وفي الأردن، تنص المادة (16) من الدستور على الحق في تأسيس الأحزاب السياسية، شريطة أن تكون غاياتها مشروعة ووسائلها سلمية ﻻ تخالف أحكام الدستور. وقد أحسن المشرع الأردني عندما أناط بالقضاء الوطني مسألة البت في مدى مخالفة الحزب السياسي لأحكام الدستور، فنصت المادة (35) من قانون الأحزاب السياسية لسنة 2022 على أنه لا يجوز حل الحزب إلا بقرار قضائي قطعي في حالات محددة تشمل؛ إذا خالف الحزب أحكام الدستور، أو ثبت في دعوى جزائية ارتباطه تنظيميا بجهة خارجية، أو قَبِل تمويلا من أي جهة أو شخص بطريقة غير مشروعة، أو خالف أحك?م القانون ولم يقم بتصويب المخالفة رغم إنذاره بذلك.
إن إسناد الاختصاص في متابعة التزام الحزب السياسي بأحكام القانون للقضاء الوطني يشكل تجسيدا حقيقيا لمبدأ سمو الدستور الموضوعي، وبالأخص فيما يتعلق باستقلالية السلطة القضائية والقضاة العاملين فيها. كما أنه يعد تطبيقا سليما لمبدأ سيادة القانون وضمانة أساسية لصون الحقوق والحريات.
فالسلطة القضائية، بحيادها واستقلاليتها، هي الجهة الأقدر على الموازنة بين المصلحة العامة المتمثلة بحماية أمن الدولة ونظامها الدستوري، وبين حق الأفراد في التعبير عن آرائهم وتشكيل تجمعات سياسية. فأي توجه تشريعي آخر يقوم على إعطاء الحق بحل الحزب الوطني لجهة إدارية أو تنفيذية سيفتح الباب أمام التعسف والاستبداد السياسي، وهو ما يتعارض مع أبسط مبادئ الحكم الرشيد.
وحتى مع تقرير الحق للقضاء في الرقابة على أعمال الأحزاب السياسية، فإن مسألة حل الحزب لا تخضع لسلطان القاضي المطلق، إذ فرض القانون الأردني معايير وشروطا صارمة يجب توافرها لكي يُصار إلى حل الحزب فضائيا، أهمها أن الحالات التي تبرر إصدار هذا القرار القضائي محددة على سبيل الحصر، ولا تُترك لاجتهاد القاضي.
كما أن قرار الحل هو الملاذ الأخير؛ فإذا ثبت مخالفة الحزب لأحكام القانون، يتم توجيه إشعار خطي له بضرورة تصويب أوضاعه خلال فترة زمنية معينة، يترتب على انقضائها دون استجابة ذلك الحزب أن تلجأ الهيئة المستقلة للانتخاب إلى القضاء وتطلب حله.
بالعودة إلى القضية المتعلقة بحزب رؤية، نجد بأن القرار القضائي الصادر قد استند إلى مخالفات جسيمة ارتكبها الحزب المعني ولم يقم تصويبها رغم إنذاره بذلك، ومن أهمها كما أعلنت عنها الهيئة المستقلة للانتخاب عدم امتلاكه مقرا فعليا خاصا به.
وتبقى الملاحظة الأبرز أن الحزب الذي تقرر حله لم يقم بالطعن استئنافا بالقرار الصادر بحقه، إذ كان من شأن الاعتراض عليه لمحكمة أعلى أن يتم اشباع غريزة العدالة ابتداء، وأن يُمكّن محكمة الاستئناف من الرقابة على حسن تطبيق القانون، وإرساء مبادئ قضائية يمكن الاسترشاد بها في المستقبل لتنظيم العلاقة بين الأحزاب السياسية والدولة بسلطاتها المختلفة.
وتتمثل الدروس المستفادة من قضية حزب رؤية، أن حل الأحزاب قضائيا في الأردن يعد تكريسا لسمو الدستور وليس تضييقا على الحقوق والحريات الفردية، وأن المشرع الدستوري كان موفقا في عام 2022 باسناد الاختصاص في متابعة شؤون الأحزاب للهيئة المستقلة للانتخاب. فهي تمارس اليوم ولايتها الدستورية على أكمل وجه، وتراقب مدى احترام الحزب السياسي لأحكام القانون، ولا تتوانى عن إحالة المخالفين للقضاء ليقول كلمته النهائية حول بقاء ذلك الحزب من عدمه.
كما أن هذه القضية يجب أن تكون عبرة «للمتحزبين الجدد» الذين سارعوا إلى تأسيس أحزاب جديدة دون أن يكون لديهم التأهيل والاستعداد الحزبي، وأولئك الذين سيسيرون على هديهم في المستقبل. فالحق في إنشاء الأحزاب السياسية يجب ألا يكون وسيلة أو مطيّة للراغبين في العودة إلى الأضواء، وإنما أن يستند إلى رغبة حقيقية في التغيير والمشاركة في إدارة شؤون البلاد. والقول بخلاف ذلك، سيجعل مصير الحزب الإلغاء بحكم القانون، كما حصل مع حزب رؤية الذي لم يهتم القائمون على إدارته حتى بالطعن بقرار حله إلى محكمة الاستئناف.
أعلنت الهيئة المستقلة للانتخاب قبل أيام اعتبار حزب «رؤية» السياسي منحلا حكما، وذلك في ضوء صدور القرار القضائي عن محكمة بداية حقوق عمان بحله بسبب مخالفته أحكام القانون، ليكون هذا الحزب هو الثاني الذي يتقرر حله بحكم قضائي.
إن تكرار حالات إنهاء الأحزاب السياسية في مرحلة التحديث السياسي يثير تساؤلات حول ما إذا كان هذا الإجراء يعد حماية للدستور أم أنه عمل تعسفي يتنكر للحقوق والحريات الفردية، وفي مقدمتها الحق في تأسيس الأحزاب السياسية والانضمام إليها.
إن ما لا شك فيه أن الأحزاب الوطنية تعد ركيزة أساسية للديمقراطية ومحركا رئيسا للعملية السياسية؛ فهي الأداة التي يمارس من خلالها الأفراد حقهم في التعبير عن الرأي والمشاركة في الشأن العام. من هنا، تحرص الدساتير الوطنية على إيراد نصوص صريحة تكفل الحق في إنشاء الأحزاب السياسية، شريطة أن تراعي أحكام القانون، وألا تمس بالأمن القومي والمصلحة العليا للدولة.
وفي الأردن، تنص المادة (16) من الدستور على الحق في تأسيس الأحزاب السياسية، شريطة أن تكون غاياتها مشروعة ووسائلها سلمية ﻻ تخالف أحكام الدستور. وقد أحسن المشرع الأردني عندما أناط بالقضاء الوطني مسألة البت في مدى مخالفة الحزب السياسي لأحكام الدستور، فنصت المادة (35) من قانون الأحزاب السياسية لسنة 2022 على أنه لا يجوز حل الحزب إلا بقرار قضائي قطعي في حالات محددة تشمل؛ إذا خالف الحزب أحكام الدستور، أو ثبت في دعوى جزائية ارتباطه تنظيميا بجهة خارجية، أو قَبِل تمويلا من أي جهة أو شخص بطريقة غير مشروعة، أو خالف أحك?م القانون ولم يقم بتصويب المخالفة رغم إنذاره بذلك.
إن إسناد الاختصاص في متابعة التزام الحزب السياسي بأحكام القانون للقضاء الوطني يشكل تجسيدا حقيقيا لمبدأ سمو الدستور الموضوعي، وبالأخص فيما يتعلق باستقلالية السلطة القضائية والقضاة العاملين فيها. كما أنه يعد تطبيقا سليما لمبدأ سيادة القانون وضمانة أساسية لصون الحقوق والحريات.
فالسلطة القضائية، بحيادها واستقلاليتها، هي الجهة الأقدر على الموازنة بين المصلحة العامة المتمثلة بحماية أمن الدولة ونظامها الدستوري، وبين حق الأفراد في التعبير عن آرائهم وتشكيل تجمعات سياسية. فأي توجه تشريعي آخر يقوم على إعطاء الحق بحل الحزب الوطني لجهة إدارية أو تنفيذية سيفتح الباب أمام التعسف والاستبداد السياسي، وهو ما يتعارض مع أبسط مبادئ الحكم الرشيد.
وحتى مع تقرير الحق للقضاء في الرقابة على أعمال الأحزاب السياسية، فإن مسألة حل الحزب لا تخضع لسلطان القاضي المطلق، إذ فرض القانون الأردني معايير وشروطا صارمة يجب توافرها لكي يُصار إلى حل الحزب فضائيا، أهمها أن الحالات التي تبرر إصدار هذا القرار القضائي محددة على سبيل الحصر، ولا تُترك لاجتهاد القاضي.
كما أن قرار الحل هو الملاذ الأخير؛ فإذا ثبت مخالفة الحزب لأحكام القانون، يتم توجيه إشعار خطي له بضرورة تصويب أوضاعه خلال فترة زمنية معينة، يترتب على انقضائها دون استجابة ذلك الحزب أن تلجأ الهيئة المستقلة للانتخاب إلى القضاء وتطلب حله.
بالعودة إلى القضية المتعلقة بحزب رؤية، نجد بأن القرار القضائي الصادر قد استند إلى مخالفات جسيمة ارتكبها الحزب المعني ولم يقم تصويبها رغم إنذاره بذلك، ومن أهمها كما أعلنت عنها الهيئة المستقلة للانتخاب عدم امتلاكه مقرا فعليا خاصا به.
وتبقى الملاحظة الأبرز أن الحزب الذي تقرر حله لم يقم بالطعن استئنافا بالقرار الصادر بحقه، إذ كان من شأن الاعتراض عليه لمحكمة أعلى أن يتم اشباع غريزة العدالة ابتداء، وأن يُمكّن محكمة الاستئناف من الرقابة على حسن تطبيق القانون، وإرساء مبادئ قضائية يمكن الاسترشاد بها في المستقبل لتنظيم العلاقة بين الأحزاب السياسية والدولة بسلطاتها المختلفة.
وتتمثل الدروس المستفادة من قضية حزب رؤية، أن حل الأحزاب قضائيا في الأردن يعد تكريسا لسمو الدستور وليس تضييقا على الحقوق والحريات الفردية، وأن المشرع الدستوري كان موفقا في عام 2022 باسناد الاختصاص في متابعة شؤون الأحزاب للهيئة المستقلة للانتخاب. فهي تمارس اليوم ولايتها الدستورية على أكمل وجه، وتراقب مدى احترام الحزب السياسي لأحكام القانون، ولا تتوانى عن إحالة المخالفين للقضاء ليقول كلمته النهائية حول بقاء ذلك الحزب من عدمه.
كما أن هذه القضية يجب أن تكون عبرة «للمتحزبين الجدد» الذين سارعوا إلى تأسيس أحزاب جديدة دون أن يكون لديهم التأهيل والاستعداد الحزبي، وأولئك الذين سيسيرون على هديهم في المستقبل. فالحق في إنشاء الأحزاب السياسية يجب ألا يكون وسيلة أو مطيّة للراغبين في العودة إلى الأضواء، وإنما أن يستند إلى رغبة حقيقية في التغيير والمشاركة في إدارة شؤون البلاد. والقول بخلاف ذلك، سيجعل مصير الحزب الإلغاء بحكم القانون، كما حصل مع حزب رؤية الذي لم يهتم القائمون على إدارته حتى بالطعن بقرار حله إلى محكمة الاستئناف.