وجهات نظر

غزة لن تموت!

غزة لن تموت!


فقط أعود إلى التاريخ لأحتمي به واذكر بغزة العظيمة التي جاءتها المسيحية بشرى وجاءها الإسلام نورا وهداية ففي تاريخ غزة انه أقيم فيها أولى الكنائس من فيليبس تلميذ القديس بولس الرسول اول من بشر بالمسيحية قبل ان يقتل مع (29) مسيحيا عام (310) أمام الوثنيين.

جاءتها الأسرة المقدسة في طريقها عائدة من مصر وقد أقام القديس يوسف النجار والسيد المسيح والسيدة مريم العذراء فترة قيلولة تحت شجرة من الجميز في غزة سماها الغزيون «الجميزة»، صالحة وتقع عند القلعة القديمة قبل أن يدمرها العدوان الاسرائيلي المستمر، واشهر اساقفة غزة على الاطلاق كان (برفيريوس) الذي قاوم الوثنية وكان قد اقام معبد الامبراطورة افدوكسيا.. وقد افتتح كنيسته عام 406م وظل يقودها حتى توفي عام 420م.

وغزة التي استقبلت المسيحية وكان لها معها شأن كبير استقبلت العربي هاشم بن عبد مناف، جد الرسول، وحملت أسمه، واستقبلت عبد الله والد الرسول كما استقبلت الرسول محمداً قبل النبوة وقد جاءها في تجارة لخديجة بنت خويلد قبل بعثته وقال عنها وهو يغادرها إلى النبوة «طوبى لمن سكن احدى العروسين غزة وعسقلان»، وقد زارها الرسول ص في حياته مرتين في الثانية والعشرين وفي الرابعة والعشرين، كما اوردت بعض المصادر التاريخية،.. لتأتيها بعد ذلك جيوش الفتح الإسلامي بقيادة عمرو بن العاص.

وغزة قدمت أعظم الأئمة المجتهدين من ابنائها وهو الامام الشافعي (رضي)، وفيها ولدت ابنته آسيا ومن غزة توجه الى اليمن وقد ظل متعلقا بها وكتب عنها شعراً.

واني لمشتاق الى ارض غزة/

وان خانني بعد التفرق كتماني.

سقى الله ارضا لو ظفرت بتربها/

كحلت به من شدة الشوق اجفاني.

وحين جاءها الفرنجة في حملاتهم قاومت غزة غزوهم وانخرطت في المقاومة كنائسها ومساجدها ولم ينطل على ابنائها المسيحيين الدعوات عن تحرير القبر المقدس وظلت بذلك كنيستهم الشرقية الارثوكسية عربية مقاومة..

لم تقدم غزة للغزاة عبر التاريخ، الا المقاومة.

وحين اشرق عليها حكم (آل رضوان) ومنهم الرئيس ياسر عرفات، ازدهرت مآذنها وتمتعت بموقع مهم حتى انهم كانوا يمنحون التصاريح لمن يريد الحج الى القدس، وكان ينتخب منها بطرك الأرثوكسية على مستوى العالم.

غزة وقفت في وجه نابليون رغم ما ارتكبه من جرائم ومجازر فقد قتل من الأسرى ما تجاوز (3) آلاف أسير وقد أقام في قصر (آل رضوان) قبل ان يهرب منه ليقيم في خيمة على تل المنطار.. وبرحيل نابليون مهزوما جاءت جيوش (محمد علي باشا)، ولم تكد هذه الجيوش تستقر فيها حتى بدأت مقاومتها وقد استنجدت بأهالي السلط فانجدوها وذهب السلطيون يدافعون عنها بأمر من السلطان العثماني،

دخول الجيش المصري.. وفي تلك الحروب لم يبق من سكانها ما يزيد على ألف نسمة.

وحين هزم العثمانيون عاد الغزيون إلى ديارهم ليقاوموا الاحتلال الانجليزي وكانت جمعية إسلامية–مسيحية قد تصدرت المقاومة وارسلت مذكرة مشتركة بتواقيع إلى هربرت صموئيل، المندوب السامي البريطاني في فلسطين، تتمسك فيها بالعمل الوطني وحين كان يعبر غزة رشقه الغزيون بالحجارة واصابوا احد حراسه ومنعوه من حضور الاحتفال الذي اعده حاكم غزة الانجليزي.

ثم آل حكم غزة للمصريين في 15/ 5/ 1948 وبعد ذلك هاجمها واعتدى عليها الإسرائيليون في عام 1956 وارتكبوا فيها المجازر الكبيرة، وخرجوا منها وعاد الحكم المصري الذي هزم في معركة حزيران 1967 وظلت غزة في قبضة الاحتلال الذي تركها هاربا مهزوما عام 2005، بقيادة شارون، ولكنه اغلق عليها المعابر وهي ما زالت الآن في الأسر وحصارها منذ ذلك الوقت، وهي تشهد اليوم، تشهد حرب ابادة وتجويع لم يشهد لها العالم مثيلاً في تاريخه.

غزة التي قاومت الغزاة، خمسة الاف سنة، طردت الفرس والروم، وفيها طعن احد الغزيين من ابنائها الاسكندر المكدوني بسكين في ظهره وترك فيه ندبة ظل اتباعه يعيرونه بها حتى وهو يصل الى الهند وهو الذي لم يطعن او يصب في حياته التي فتح فيها العالم القديم.. غزة هذه تدمر الآن بالابادة والتجويع، فقد ادار لها العالم القريب والبعيد الظهر بدل ان يحفظوا ويدعموا تاريخها المقاوم حتى تتحرر من ابشع احتلال عرفته في تاريخها وهو الاحتلال الصهيوني.

استفزاز الاسئلة التي طرحها عليّ نبيل الصراف، جعلتني أصنع كتابا اسميته (غزة ماذا يقول التاريخ) حتى يقرأ من يقرأ علهم يدركون ان شهادة ميلادها اكبر من ان تزوّر، وأنها كما يقول ارنست همنجواي في رواية الشيخ والبحر، في الشيخ والبحر، الانسان قد يدمر لكنه قد لايهزم كما غزة وقد يهزم دون تدمير كما كثير من المدن والدول والشعوب

غزة لن تموت وستخرج من الرماد كالعنقاء لتكمل مشوار الحياة والكرامة، وتحرر الأمة جميعها.

فدمها المسفوك وجثامين أطفالها بمئات الآلاف ستبقى تنادي في الأمة (الهامة اسقوني) وستأتيها الأمة التي لن يطول صمتها، وستردد قول محمود درويش،

أكل الثعلب في برجي حمامة...

سوف أرثيها وسأحمي البرج

ولست استعجل ميلاد القيامة.

القيامة العربية والانسانية قادمة، وها نحن نرى باكورة اطلالاتها في محاولات الشعوب لكسر الحصار عن غزة التي تباد على يد النازية الاسرائيلية الجديدة..