وجهات نظر

هندسة الفوضى

هندسة الفوضى

في الوقت الذي يعاني فيه سُكّان قطاع غزّة من الجوع والمرض وتحاصر المساعدات الإنسانيّة على المعابر، تحاك في الخفاء خطّة لسرقة تلك المساعدات من الداخل بخيوط محكمة تنتهي عند اسم واحد.

ياسر أبو شباب الرجل الغامض الذي أصبح اسمه يتردد همساً في أوساط الغزيين، ولا يكاد أن يذكر إلا بعبارة رجل تل أبيب في القطاع.

فمن هو ياسر أبو شباب؟ وما الدور الذي يلعبه في تحويل مسار القوافل والمساعدات من المحتاجين إلى جيوب العصابات؟!

وفي ظل ظهور هذه الجماعة المسلّحة ما هي السيناريوهات المستقبليّة المحتملة لغزّة وأي احتمال لأي مواجهة بين حماس وبين هذهِ الجماعة وموقف إسرائيل؟.

الاسم الذي ينسب إليه اليوم هو زعيم عصابات السرقة بحسب مذكرات داخليّة صادرة عن منظمات أُمميّة.

مهمته اعتراض شاحنات المساعدات الداخلة من معبر كرم أبو سالم والاستيلاء عليها، تحت تهديد السلاح. كما أنّ بعض سائقي الشاحنات قتلوا على يد أفراد عناصره.

المثير أنّ نشاط هذهِ المليشيات لا يتم في مناطق بعيدة عن أعين الجيش الإسرائيلي، بل بالعكس تتم العمليات في مناطق تخضع لسيطرة مباشرة لقوات الجيش؛ الذي لا يتدخل في إيقاف نشاط هذهِ العصابات.

وتل أبيب تستخدم هذهِ العصابات كأداة للضغط على أهالي غزّة، عبر منع هذهِ المساعدات عن الناس وخلق حالة من الفوضى!

هم يضعون حواجز ترابيّة ويستخدمون رشاشات ويأخذون ما يريدون، وهو ما يؤكّد أنّ تفاهمات واضحة بينهم والإسرائيليين.

بدأ أبو شباب بحملة إعلانيّة لتلميع صورته، وهي جاءت بأوامر مباشرة من ضباط إسرائيليين يشرفون على الملف الأمني في الجنوب، والهدف واضح تحويله من زعيم عصابة إلى فاعل خير مزعوم؛ يقسّم المساعدات بين الناس ويتهم حماس بالاستيلاء عليها.

المشهد بات واضحاً؛ الحصار من الخارج والفوضى والنهب من الداخل بخطّة مزدوجة، نتنياهو نفسه مهندسها!!

ياسر أبو شباب من مواليد رفح لعام ألفٍ وتسعمئة وثلاثة وتسعين كان معتقلاً بتهم جنائيّة قبل السابع من أكتوبر من العام الفين وثلاثةٍ وعشرين، أطلق سراحه عقب قصف إسرائيل مقرّات أجهزة أمنيّة، ثم برز أسمه بعد استهداف كتائب القسام لمن قالت إنّهم عملاء مجندون لصالح إسرائيل، ويتبعون مباشرة لعصابة أبو شباب شرق رفح.

عائلته التي تنتمي إلى قبيلة الترابين تبرأت منه ببيان مطول، وأهدرت دمه، بعد إنخراطه بأعمال مشبوهة تخدم إسرائيل، ضمن إدعائه العمل لتأمين المساعدات الإنسانيّة وحمايتها.

بدايته كانت بتشكيله قوةً خاصّة بحجّة تأمين دخول المساعدات الإنسانيّة قبل أن تُغلق إسرائيل المعابر، قوامها بين مئة وثلاثمئة عنصر، ينتشرون بين مواقع الجيش الإسرائيلي ويتحركون بأسلحتهم تحت رقابته، وباتت تعرف لاحقاً بمسمى «القوات الشعبيّة».

استغل اسم قبيلته لتأمين غطاء اجتماعي، كما ورد اسمه بمذكرة للأمم المتحدة باعتباره يقود الجهة الرئيسيّة التي تنفذ عمليات نهب ممنهجة وعلى نطاق واسع، للمساعدات الإنسانيّة الواردة إلى القطاع، وفقاً لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.

أمّا عن كيفية عمله؟ فجاءت بدعم إسرائيلي، إذ أكّد مسؤول بالحكومة وفقاً لـ» وول ستريت جورنال»، ما قاله وزير الدفاع الأسبق أفيغدور ليبرمان إنّ تل أبيب تزود ميليشيات إجراميّة في قطاع غزّة بالأسلحة كجزءٍ من خطّة لبناء مقاومة محليّة ضدّ حماس؛ ليطل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤكداً الأمر، ويقول » إنّه أمر جيد وينقذ أرواح جنود» خاصّة مع فقد الحركة سيطرتها الأمنيّة على القطاع.

إسرائيل تعيد السيناريو نفسه الذي استخدمته سابقاً بتجنيد مجموعات مسلّحة لتنفيذ أجندتها في إطار خطتها لتحضير بديل «اليوم التالي» للحرب على قطاع غزّة، في وقت تضع فيه المقاومة الفلسطينيّة تلك العصابات على قائمة أهدافها.

تعود بداية تجنيد قوات الجيش الإسرائيلي لمجموعة مسلّحة تعمل تحت إشرافها خلال الحرب إلى الأشهر الأخيرة من العام ٢٠٢٤، عندما وفرت مأوى للعصابة التي يترأسها أبو شباب في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجيش جنوب شرق مدينة رفح.

وقال موقع «مفزاكي راعم» العبري إنّ مليشيا أبو شباب كانت مرتبطة سابقاً بتنظيم الدولة الإسلاميّة وتجارة المخدرات، في حين نقلت قناة «كان» العبرية أنّ خطّة تسليح العصابات في قطاع غزّة جاءت بمبادرة من جهاز الأمن الداخلي «الشاباك» قبل نحو ستة أشهر.

وذكرت القناة أنه طُلب من رئيس الشاباك رونين بار تقديم أفكار حول كيفية إضعاف حماس، حيث تم الاتفاق مع رئيس الأركان هرتسي هاليفي عليها، ثم عرضاها على وزير الجيش يسرائيل كاتس الذي وافق على الخطّة، ثم توجهوا بها إلى رئيس الوزراء الذي صادق عليها وبدأ تنفيذها.

تسعى إسرائيل إلى هندسة نموذج جديد من الفوضى في قطاع غزّة؛ من خلال استنساخ فكرة–قوات الصحوة التي كانت قد تشكّلت في العراق لأول مرة في العام ٢٠٠٦ لمطاردة تنظيم القاعدة والجماعات المتطرفة -؛ لمحاربة حركة حماس من خلال الفكرة ذاتها، وسط انتقادات في الداخل الإسرائيلي وتشكيكهم في قدرتها على تحقيق الأهداف المرجوة منها.

باتت إسرائيل اليوم تستخدم عائلات تعمل ضد حركة حماس في قطاع غزّة ضمن مشروع يسهم في إنقاذ حياة جنودها؛ ضمن سياق هندسة الفوضى، لصالحها، على حساب الظروف الإنسانيّة الصعبة في القطاع، ضمن عصابات ولصوص تعمل لسرقة المساعدات الإنسانيّة من خلال العمل كمستعربين لإسرائيل!

وبعد كشف وزير الدفاع الأسبق أفيغدور ليبرمان عن تسليح تل أبيب «مليشيات إجراميّة» في غزّة بشكل سري، تعرّض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لهجوم من المعارضة وسط اتهامات له بتعريض الجيش للخطر.

أقرّ نتنياهو باتخاذ الخطوة وقال إنّ مَن سربها يقدّم خدمة لحركة حماس، بينما قالت الحركة إن العملية تؤكد إشراف إسرائيل على سرقة المساعدات.

وكانت إذاعة الجيش قالت إن «إسرائيل» نقلت سلاحاً لمليشيا ياسر أبو شباب، بينها أسلحة خفيفة صودرت من «حماس».

وأشارت الهيئة إلى أن «مليشيا أبو شباب تعمل شرقي رفح في مناطق سيطر عليها الجيش»، مشيرةً إلى أن تسليح هذه المليشيا «جاء بمبادرة من أجهزة الأمن والقيادة السياسيّة».

وأضافت حركة حماس في بيان لها: «الاعتراف الإسرائيلي بتسليح العصابات في غزّة يثبت التنسيق بين اللصوص والمتعاونين مع الجيش وافتعال أزمات إنسانيّة».

وشددت «الحركة» على أنّ «هذهِ العصابات تتحرك تحت إشراف أمني إسرائيلي مباشر»، مؤكدةً أنه «ستتم ملاحقتها ومحاسبتها بحزم من قوى شعبنا والأجهزة المختصة».

بدوره قال رئيس حزب الديمقراطيين يائير غولان، إنّ نتنياهو يبيع أمن «إسرائيل» مقابل يوم إضافي في السلطة.

لم يضع نتنياهو خططاً واضحة لكيفيّة إدارة غزّة وأمنها في اليوم التالي بعد إنتهاء الحرب. ويحاول من خلال ذلك إيجاد جماعات أو فصائل معارضة لحماس قد تلعب دوراً، في تفتيت البنيّة الاجتماعيّة في قطاع غزّة؛ لخدمة صالح إسرائيل.

ميليشيا أبو شباب تؤدي الآن وظائف متعددة للإسرائيليين، حيث تساعد في التحكم في أماكن وصول المساعدات أو عدم وصولها؛ ومحاولة جذب اليائسين والجوعى إلى ما يسمى «المنطقة الآمنة» شرق رفح؛ وتنفيذ مهام عالية الخطورة للكشف عن وجود مقاتلي حماس.