وجهات نظر

حضور الصوت وبناء الصورة في الدبلوماسية الملكية الدولية

حضور الصوت وبناء الصورة في الدبلوماسية الملكية الدولية

على الرغم من تزامن عطلة عيد الأضحى المبارك مع مناسبة وطنية غالية تمثلت في تأهل المنتخب الأردني لكأس العالم للمرة الأولى في تاريخه، فإن النشاط الدبلوماسي للملك تواصل خلال الأيام الأخيرة بصورة واسعة، انطلاقًا من العاصمة البريطانية لندن، قبل التوجه لحضور المؤتمر الثالث للأمم المتحدة في نيس، وهو الذي التقى على هامشه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لتباحث التطورات الإقليمية الراهنة، وفي مقدمتها ضرورة العمل على وقف إطلاق النار في قطاع غزة وصولًا إلى تهدئة شاملة يتم على أساسها إطلاق جهود الإغاثة اللازمة والضرورية لأهالي القطاع، وتطرق الملك في لقائه مع الرئيس الفرنسي إلى التبعات الخطيرة لاستمرار التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس.

المؤتمر كان فرصة لعقد لقاءات ثنائية شملت أمين عام الأمم المتحدة، والرئيس القبرصي، وأمير موناكو، ضمن حملة ملكية لحشد المواقف الدولية لدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وضرورة تثبيته على أرضه، وكان الملك التقى قبلها الرئيس العراقي في لقاء تنسيقي آخر، توجهت اهتماماته لذات الموضوعات الملحة المتعلقة بالشأن الفلسطيني والعمل على الوصول إلى التهدئة في قطاع غزة لتبدأ مرحلة من احتواء آثار العدوان الإسرائيلي تتصل مع العمل الإنساني المطلوب بصورة عاجلة في القطاع، والتأكيد في سياق لحظة عالمية مضطربة ومليئة بالاحتمالات المختلفة والمتباينة للحصول على مكتسبات للفلسطينيين تتمثل في انتزاع اعتراف مجموعة من الدول المهمة والفاعلة حول العالم بالدولة الفلسطينية، الأمر الذي من شأنه في ظل التجاذبات القائمة، والتعقيدات المختلفة، أن يكون بمثابة خطوة كبيرة لاستعادة الزخم المطلوب للبناء في اتجاه تثبيت الفلسطينيين على أراضيهم على أرضية تقوم على أساس توفير سبل الحياة الكريمة لجميع الفلسطينيين بوصفه مدحلًا وحيدًا لتحقيق السلام المستدام في كامل المنطقة.

بطبيعة الحال، ليس الأردن الدولة التي تتعامل مع قضايا البحار والمحيطات بصورة كثيفة، وهي وإن كانت تقدم الكثير على المستوى البيئي من خلال منفذها البحري في العقبة، فإن حضورها لهذا المحفل السياسي وبمستوى التمثيل الملكي، يأتي لنقاش قضايا متعددة، في مقدمتها القضية الفلسطينية، حيث تتيح هذه المحافل الدولية الفرصة للنقاش الهادئ وخارج حالة التربص والترقب التي تشهدها المؤتمرات المتخصصة في هذه الشؤون، كما أن المظلة الأممية للمؤتمر تجعله يدور ضمن أدبيات هذه المنظمة ورؤاها، ويشجع الرؤساء والمسؤولين الذين يلتقيهم الملك على الخروج من الرؤية الأحادية للبلد أو المنظمة التي يمثلونها، ليكون الحديث ذا صبغة أوسع تشمل ضرورة التهدئة في الإقليم وفي مختلف أنحاء العالم، والتأكيد على التكلفة الباهظة للخروج عن القواعد الحاكمة والمؤسسة للمنظومة الدولية.

من ناحية أخرى، فإن الحضور الملكي والتمثيل الرفيع للأردن في هذه المؤتمرات، يستهدف مواجهة الفكرة الإسرائيلية التي طالما سوقت إلى أن إسرائيل وليس غيرها من دول المنطقة هي الشريك الموثوق للعالم في القضايا ذات الاهتمام الدولي، مثل البيئة والمناخ وحقوق الإنسان وما إلى ذلك، حيث أوحت إسرائيل لفترات طويلة بأنها الدولة الأكثر تقدمًا واندماجًا في الشؤون العالمية، وهو الأمر الذي تنبه له الملك في مرحلة مبكرة، ليطرح الأردن شريكًا عالميًا ويفكك الإدعاءات الإسرائيلية تجاه القدرة المنفردة على التصدي لهذه القضايا العالمية، ومزاحمتها ومن ثم في مرحلة متقدمة، إزاحتها عن أكثر من منصة كانت تعتبر إسرائيل الدولة الأكثر عناية بها، والأكثر قدرة على ترجمتها إلى مكتسبات سياسية وتحويلها إلى صورة ذهنية تغذي الرواية الإسرائيلية حول الدولة المتقدمة والمسالمة في محيط عدائي من الجيران العرب.

يحضر الأردن اليوم في الشؤون العالمية ذات الاهتمام المشترك، ويمتلك صوتًا مرتفعًا ونبرة واضحة في العديد من القضايا العالمية، وذلك كله ليس بعيدًا عن ترجمته في صورة مكتسبات سياسية حالية ومستقبلية خاصة في فترة يتابع العالم فيها المنطقة وما تموج به من أزمات وما يواجهها من تحديات، وتتواصل الدبلوماسية الملكية لتستثمر مكانة الملك الشخصية في المجتمع الدولي لتصبح جزءًا أصيلًا من الأوراق الأردنية في العديد من الساحات ومن أهمها السياسة والاقتصادية ووضع الصوت الأردني على الساحة الدولية ليتكامل مع صورة ذهنية إيجابية انبنت على هذه الجهود المتواصلة من الملك للعمل داخل الأطر التقليدية وغير التقليدية على المستوى العالمي.