منوعات

انتبهي! من القلب إلى المناعة .. جسدكِ يدفع ثمن كبت غضبكِ

انتبهي! من القلب إلى المناعة ..  جسدكِ يدفع ثمن كبت غضبكِ

للعلّم - تواجه العديدات من النساء صعوبة في التعبير عن مشاعر الغضب، فالثقافة الاجتماعية ترسّخ مفاهيم تدعو النساء إلى كبت مشاعرهن، والالتزام بالهدوء، والتأني، وغيرها من مسميات تصب في منحى كبت المشاعر. وعادة يُنظر إلى الغضب على أنه شعور غير أنثوي، مع أنه شعور إنساني طبيعي يجب التعامل معه بشكل صحي ومنظّم. لكن، ماذا يحدث عندما يُكبت هذا الغضب؟.. هل يمكن أن يتحول إلى مرض جسدي؟.. هل يمكن أن يكون الغضب المكبوت أحد الأسباب الخفية لما نعانيه صحيًا؟

إن أمراض المناعة الذاتية تصيب النساء بنسبة كبيرة تصل إلى نحو 80% من الحالات. كما أظهرت الدراسات أن النساء أكثر عرضة للقلق، واضطراب ما بعد الصدمة، وفقدان الشهية العصبي. وهذه المعطيات تثير تساؤلات حول ما إذا كان الجانب السلوكي، وليس البيولوجي فقط، يلعب دورًا في تدهور صحة المرأة. وللوقاية، نستعرض الثمن الذي يُدفع مقابل غضب مكبوت.

الاكتئاب.. الوجه الصامت للغضب المكبوت:

تميل كثيرات من النساء إلى كبت مشاعر الغضب، وتجاهل احتياجاتهن الشخصية، في مقابل الحرص على إرضاء من حولهن، وتجنّب أي شكل من أشكال الصراع. هذا النمط السلوكي الذي يُعرف بـ«كبت الذات» لا ينشأ من فراغ، بل هو نتيجة تراكمات اجتماعية وثقافية تُرسّخ صورة المرأة الهادئة، والمتفانية، والمتفهّمة دائمًا. لكن، تحت هذا القناع الصامت، قد تتراكم مشاعر الإحباط والانزعاج تدريجيًا، لتتحوّل إلى معاناة داخلية مزمنة.

هناك صلة مباشرة بين كبت الغضب، وارتفاع معدلات الاكتئاب لدى النساء. فحين لا تجد المشاعر الطبيعية منفذًا صحيًا للتعبير، قد تنقلب إلى طاقة سلبية تؤثر على كيمياء الدماغ، وتؤدي إلى شعور دائم بالحزن، والتبلد العاطفي، وحتى فقدان الرغبة في الحياة. من هنا، لا يعود الاكتئاب مجرد «حالة نفسية»، بل يصبح أحد الوجوه الصامتة لغضب لم يُمنح شرعية التعبير.

أمراض القلب.. الغضب المكبوت قد يضر الشرايين:

الغضب قد يترك بصماته المؤذية على صحة القلب أيضًا. فالنساء اللواتي يكبتن غضبهن بانتظام يواجهن خطر الإصابة بتصلب الشرايين بنسبة تزيد على 70%، وهي نسبة مقلقة تعني أن القلب نفسه قد يدفع ثمن هذا الصمت العاطفي. فعندما تتراكم المشاعر السلبية دون تصريف، يدخل الجسم في حالة من التوتر المزمن، ما يؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم، واضطراب مستويات الكورتيزول، وتراجع كفاءة الجهاز القلبي الوعائي. وكل ذلك يمهّد الطريق لأمراض القلب، التي تُعد اليوم من أبرز أسباب الوفاة لدى النساء. وبالتالي، فإن التعامل مع الغضب ليس رفاهية نفسية، بل ضرورة حيوية لحماية القلب والشرايين.

قصور الغدة الدرقية (هاشيموتو).. هل للتوتر دور؟

أمراض المناعة الذاتية، مثل قصور الغدة الدرقية (هاشيموتو)، قد تتفاقم بسبب الضغوط النفسية المزمنة، حيث تشير النساء إلى أن فترات التوتر الشديد في حياتهن سبقت ظهور الأعراض أو تدهورها. وأحيانًا يكون التشخيص متأخرًا نتيجة إهمال الأعراض أو عدم أخذها على محمل الجد، سواء من قِبل المريضة نفسها، أو مقدمي الرعاية الصحية.

جهاز المناعة.. ضحية الكبت المزمن للمشاعر:

إن كبت المشاعر، لا سيما الغضب، يرتبط بزيادة مستوى التوتر، واختلال وظائف الجهاز المناعي، والتهاب مزمن، ما قد يساهم في تطور أو تفاقم أمراض المناعة الذاتية. إن كبت المشاعر يؤدي إلى تنشيط محور الغدة النخامية - الكظرية لفترات طويلة، ما يُضعف مناعة الجسم. ويُعتقد أن ذلك قد يؤثر سلبًا على أمراض، مثل: التهاب المفاصل الروماتويدي، والذئبة الحمراء، والتصلب المتعدد.

الآلام الجسدية الغامضة.. عندما يتحدث الجسد بلغة الصمت:

تتكرر لدى الكثيرات من النساء مشاعر، مفادها أنهن «غير مسموعات»، ما يدفعهن إلى الصمت والانطواء. وقد يتجسد هذا الصمت في آلام جسدية حقيقية بالجهاز الهضمي، والصدر، والأكتاف، أو الحلق. وتبيّن أن هذه الآلام قد تكون تعبيرًا جسديًا عن مشاعر لم يتم التعامل معها نفسيًا، أو ما يُعرف بالألم الجسدي الناتج عن العواطف المكبوتة.

الطرق البديلة للتفريغ: الرقص.. التنفس.. والعودة إلى الذات:

ولمواجهة هذا الألم، تلجأ بعض النساء إلى تقنيات، مثل: التنفس العميق، والرقص التعبيري، والتأمل، والمساج، والتمارين الجسدية التي تساعد على تفريغ المشاعر المكبوتة. ويؤكدن أن التعامل مع الغضب بهذه الطرق يساعد على تخفيف الألم، وتحسين الحالة النفسية والجسدية. إن الصحة النفسية والجسدية ليستا مستقلتين عن بعضهما، بل تتأثران بالعوامل البيولوجية، والاجتماعية، والنفسية مجتمعة. وتؤكد دراسات في علم النفس العصبي المناعي أن القمع العاطفي له تأثيرات واضحة على الجهاز المناعي، حتى لو لم تُدرس آثاره على الغضب تحديدًا بشكل كافٍ بَعْدُ.

كيف نتعامل مع الغضب؟
من الناحية البيولوجية، لا توجد استجابة جسدية واحدة ثابتة لمشاعر، مثل: الغضب أو الحزن، لكن الطريقة التي نتعامل بها مع هذه المشاعر، سواء بالكبت أو بالتعبير الصحي، تؤثر بشكل مباشر على صحتنا. فالكبت يؤدي إلى إفراز مستمر لهرمون الكورتيزول، ما يعطّل استجابة الجسم المناعية، أو يفرط في تنشيطها مسببًا التهابات مزمنة. ولتفادي آثار الكبت العاطفي، يجب تطوير الوعي الذاتي والتعبير عن المشاعر من خلال التدوين، والحديث مع متخصص، أو ممارسة تقنيات جسدية، مثل: التأمل، والتنفس الواعي. كما لا ننسى أهمية وضع حدود صحية، وتعلّم التواصل الواضح، وبناء علاقات داعمة تتيح مساحة آمنة؛ للتعبير عن المشاعر.