وجهات نظر

هل يمنح ترامب سورياً شيكاً على بياض؟!

هل يمنح ترامب سورياً شيكاً على بياض؟!

على إيقاع التوتر الإقليمي؛ تسعى سوريا لتهدئة الأمور وتجنب المواجهة مع إسرائيل عبر الدبلوماسيّة الناعمة.

هي طرقت باب التفاوض غير المباشر مع تل أبيب؛ لكنّ تركيا أيضاً تحرك الخيوط في الكواليس.

تل أبيب تضع شروطها علناً.. كل هذهِ المفاوضات تدور بين عواصم متباعدة، وخرائط المصالح يعاد رسمها بين شروط إسرائيل، ورسائل سوريا والتي وصلت حتى البيت الأبيض.
تسعى الإدارة الجديدة إلى عقد لقاء بين الرئيس السوري أحمد الشرع والرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال جولته المقبلة إلى السعودية والإمارات وقطر، والتي يعول أن تكون لها انعكاسات واضحة على سوريا.

هل نترقب صفقة غير متوقعة؟ وهل يبعث مشروع السلام السوري الإسرائيلي من تحتِ رماد الحرب؟!

في رسالة نُقلت إلى البيت الأبيض طلب الرئيس الشرع من الإدارة الأميركية عقد لقاء مع ترامب خلال جولته المقبلة في الشرق الأوسط؛ لطرح رؤيته لإعادة إعمار سوريا على غرار خطة مارشال الأميركية، التي أعادت بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية؛ بحيث تمنح الأولويّة لمشاريع إعادة الإعمار للشركات الأميركية والغربيّة.

المهمة الأكثر الحاحاً كسر طوق العقوبات الأميركية، من خلال التلويح بثروات الطاقة وتصدير النفط السوري، مقابل تخفيف الحصار الاقتصادي.

ماذا يُنتظر من زيارة ترامب للمنطقة على صعيد سوريا؟ وهل يمكن أن تفتح الأبواب الأميركية للرئيس الشرع؟ وهل يمنح ترامب سورياً شيكاً على بياض؟!
من المؤكد أنّ ترامب يحكم على الأفعال في خضم التطورات المتسارعة في سوريا.

تسعى سوريا الجديدة إلى بناء علاقة استراتيجيّة مع الولايات المتحدة الأميركية قائمة على المصالح المشتركة، بما في ذلك الطاقة وروابط اقتصادية أخرى، في وقت تأمل دمشق أن تصبح حليفاً مؤثراً لدى واشنطن في المرحلة المقبلة.

الأسبوع الماضي الرئيس الشرع وفي أول زيارة رسميّة له إلى أوروبا، ولقاء نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، كشف عن وجود مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل عبر وسطاء، وقال إنّ المفاوضات تأتي لتهدئة الأوضاع ومحاولة امتصاص الوضع كي لا تنفلتَ الأمور وتخرج عن حدّ السيطرة، مع ضرورة الالتزام بوقف إطلاق النار لعام ألفٍ وتسعمئةٍ وأربعةٍ وسبعين.
فهل ينجح الشرع في نيل ثقة الغرب لاسيما الرئيس ترامب؟ وهل يتم رفع العقوبات قريباً عن سوريا أو تجميدها؟ وهل يكون التقارب مع إسرائيل ثمناً لذلك؟
زيارة الشرع إلى فرنسا كانت فرصةً لتجدّد باريس دعمها لبناء سوريا الجديدة حرّة ومستقلّة، سوريا التي تضم كل مكونات المجتمع السوري.

بالنسبة لدمشق زيارة الشرع حملت في طياتها ملفات ثقيلة على رأسها؛ رفع العقوبات الغربيّة عن الاقتصاد السوري المنهك أصلاً إبان حقبة النظام السابق والتنمية، وإعادة الإعمار، والتحديات الأمنيّة ووقف الهجمات الإسرائيليّة المتكررة على السيادة السوريّة، والعلاقات مع دول الجوار لاسيما لبنان.

الزيارة تزامنت مع مرور مئة يوم على تسلمه السلطة في سوريا، ما بعد بشار الأسد وهي فترة حافلة بالتحولات السياسيّة، ولكنّ المتاعب الأمنيّة الاعتيادية تمثل تحديات حقيقيّة بالنسبة للحكومة داخلياً، وكذلك ارهاصات التوازنات الإقليميّة.

كما أنّ الزيارة كانت لحظة فارقة؛ لأنّ باريس تمثل بوابة سوريا الجديدة على أوروبا، كخطوة أولى ومن ثم على الدول الغربيّة الأخرى كخطوة تالية، ويمكن أن تساعدها في ملفات متعددة على رأسها ملف رفع العقوبات وإعادة الإعمار. وهي جاءت بعد توقيع عقد مع شركة فرنسيّة بخصوص ميناء كبير على الساحل السوري.

الرسائل السوريّة باتت اليوم أكثر وضوحاً من ذي قبل؛ فسوريا اليوم لا يمكن أن تنطلق من جديد دون رفع العقوبات عنها، خصوصاً وأنّ علاقتها مع إسرائيل محدد رئيسي مع الغرب وتحديداً مع الولايات المتحدة الأميركية، لرفع العقوبات أو تجميدها على المدى القريب؛ لاسيما وأنّ موضوع رفع العقوبات بالكامل هو مسار طويل ومعقد.

كما أنّ المحور الإقليمي التي تتموضع فيه سوريا يشكّلُ رافعة قويّة للدولة السوريّة الجديدة، وبالتالي فإنّ سوريا اليوم تعمل على عمقها العربي، وتموضعها الإقليمي الجديد لمساعدتها في رفع العقوبات، ودعمها لإعادة الإعمار.

سوريا تنتظر خطوات من داعميها في المنطقة خصوصاً أنّ ما جرى في الثامن من كانون أول ٢٠٢٤ كان عودة لسوريا للعمق العربي، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر على صعيد دعمها سياسيًا واقتصاديًا.

الدول الخليجيّة دول فاعلة ومؤثرة في مراكز صنع القرار العالمي خصوصًا واشنطن، وهي قادرة على احداث اختراقات وخطوات إيجابيّة فيما يتعلق بسوريا، خصوصاً وأنّ استقرار سوريا هو استقرار للمنطقة.

منذ أن جاء الشرع وتسلّم السلطة وهو يقول للجانب الإسرائيلي بشكل غير مباشر إنّ مواجهة إسرائيل ليست من أولوياته، وبعدها كانت رسائل متتالية خصوصًا زيارة وزير الخارجيّة السوري أسعد الشيباني إلى واشنطن، وما تمخض عنها من تصريحات واضحة هي موضع اهتمام.

ما أنّ تحدث الشرع عن مفاوضات غير مباشرة مع إسرائيل حتى بدأ الحديث عن زيارة وصفت بالسريّة قام بها مسؤولون سوريون إلى تل أبيب نهاية الشهر الماضي، بهدف فتح قنوات اتصال جاءت تفاصيل هذا اللقاء عبر صحف إسرائيلية.

اللقاء قيل إنّه ركز على قضايا الأمن والاستخبارات ومكافحة الإرهاب والتهريب ومناقشة مسائل تقنيّة على الحدود، ومصير أنشطة الجيش الإسرائيلي على الأراضي السوريّة، وبناء الثقة في ظل انعدام العلاقات الدبلوماسيّة بين الطرفين.

ليست سوريا وحدها من تخوض المفاوضات غير المباشرة مع إسرائيل، فحتى انقرة دخلت في مفاوضات مع تل أبيب ولأجل سوريا، وهي الأخرى تعمل في الكواليس في ذات السياق أيضًا؛ إذ عقدت تركيا وتل أبيب مباحثات في العاصمة باكو بوساطة أذريّة.

لدى تل أبيب مطلبان أساسيان فيما يخصُ سوريا؛ الأول عدم وجود أي قوّة عسكريّة تهددها على الحدود، والثاني ألا تمتلك سوريا أسلحة استراتيجيّة ترى إسرائيل أنّها ستهدّدها.
تركيا تخطط لإنشاء سبع قواعد عسكريّة في مناطق واسعة من الأراضي السوريّة، وهو أمرٌ يثير القلق في تل أبيب!

هذه المفاوضات التي حصلت في باكو كانت مع أول احتكاك مباشر حدث بين الطائرات الإسرائيليّة والتركيّة، خلال تنفيذ إسرائيل هجمات جويّة مكثفة على سوريا.
بالنسبة للمطالب التركيّة فإن أنقرة جددت رفضها التصعيد العسكري الإسرائيلي المتكرر في سوريا، خصوصاً تلك التي تبررها تل أبيب بحماية الأقليات، وتل أبيب يبدو أنّها منفتحة على احتفاظ تركيا بقاعدة عسكرية محدودة داخل الأراضي السورية.

بعيداً عن جبهات الداخل المشتعلة، يبدو أنّ دمشق تراهن على بوابة الخارج، لتأمين شرعيّة دوليّة واستقطاب دعمٍ اقتصادي يعيد ضخ الحياة في الجسد السوري المنهك.
فهل ينجح الشرع بإعادة تطبيع العلاقة مع الغرب؟ وهل يسعى لترميم الداخل بعباءة الخارج؟!

دمشق تأمل من واشنطن التوصل إلى اتفاق يضمن تصدير النفط وضمان السلام في المنطقة، مقابل رفع العقوبات الأميركية مع منح الأولوية للشركات الأميركية في مشاريع إعادة الإعمار.