وجهات نظر

من التخوف والتردد إلى المشاركة .. تحفيز الأردنيين للاستثمار بثقة

من التخوف والتردد إلى المشاركة ..  تحفيز الأردنيين للاستثمار بثقة

تدور بين الأردنيين في المنازل والصالونات الكثير من أحاديث المال وغالباً حول خيارات استثمار المال بمسارات مألوفة وآمنة مثل الادخار في البنوك او شراء قطعة أرض صغيرة إن استطاعوا، أو اقتناء بعض الذهب كملاذ آمن، حيث شكلت بعض هذه الممارسات تحسن مستوى الوعي المالي لسنوات طويلة ومنحت الناس شعوراً بالطمأنينة، ومع ذلك يبقى خيار واحد غائباً تقريباً عن معظم هذه الحوارات رغم وجوده في قلب الاقتصاد الوطني.. سوق الأسهم الأردني.

بالنسبة لأغلب الناس، تبدو سوق الأسهم بعيدة عن خياراتهم و تُصوَّر في الأذهان كمكان مخصّص للخبراء أو لأصحاب الثروات الكبيرة، وليست خياراً لعائلة عادية تخطط لمستقبلها، فالكثيرون يخشون خسارة المال، خصوصاً حين تكون المدخرات محدودة، و يشعر آخرون أن الإجراءات معقدة ولا يعرفون من أين يبدؤون، وهناك من يتذكر محطات اقتصادية صعبة عاشتها المنطقة مما ترك انطباعا سلبيا مرتبطا بالأسهم، وربما الأهم أن معظم الأردنيين لم ينشؤوا في بيئة تتحدث فيها العائلات أو الأصدقاء عن الاستثمار، وحين يغيب الحديث عن فكرة ما يصبح من الطبيعي أن تغيب عن القرارات اليومية، بالرغم من ان فرص الكسب والربح فيها من اعلى خيارات الاستثمار.

وهذا التردد لا يؤثر على الأفراد وحدهم، بل ينعكس على الاقتصاد كله، فسوق الأسهم ليست مجرد منصة مالية، بل هي إحدى القنوات التي تنمو من خلالها اقتصاديات الدول، وحين يشارك المواطنون فيها، حتى بمبالغ صغيرة، تحصل الشركات على قاعدة محلية أكثر ثباتاً، ما يسمح لها بالتوسع والتوظيف والتخطيط بثقة أكبر، فالسوق التي تعتمد على مواطنيها تكون أقل عرضة للتقلبات الخارجية، وأكثر قدرة على التعبير عن واقع الاقتصاد الوطني.

من الجدير بالذكر أن عدة دول مرت بتجارب مشابهة، ففي سنغافورة، كان الاستثمار يبدو غريباً على حياة الناس، لكن الحكومة صممت برامج ادخار بسيطة جعلت المشاركة سهلة وطبيعية، وفي كوريا الجنوبية، أتاحت أماكن العمل للموظفين استثمار مبالغ صغيرة شهرياً دون أي إجراءات معقدة، أما في كينيا، فقد لعبت مجموعات التعلم المجتمعية دوراً مهماً حين جمعت الجيران ليتعلموا أساسيات الاستثمار معاً، فصار امتلاك الأسهم فكرة مألوفة، فهذه التجارب تُظهر أن الاستثمار يصبح جزءًا من الثقافة حين يُقدَّم بأسلوب بسيط وقريب من حياة الناس.

الأردن قادر على السير في الاتجاه نفسه، لا من خلال التقليد، بل عبر تهيئة بيئة تشجّع الناس على الخطوة الأولى، ويمكن ان تكون البداية بالتبسيط، حيث يجب أن يكون فتح حساب استثماري سهلاً مثل فتح محفظة إلكترونية عن طريق تعليمات واضحة وإجراءات مختصرة ومنصات رقمية مريحة يمكن أن تزيل الكثير من القلق والتخوف، كما يجب أن تُتاح إمكانية البدء بمبالغ صغيرة جداً، فحين يشعر الشخص أنه قادر على التجربة دون مخاطرة كبيرة، يقترب خطوة أخرى من هذا العالم.

كما يمكن للمؤسسات والجامعات والدوائر الحكومية أن تتيح برامج اختيارية يقتطع الموظف من خلالها مبالغ بسيطة شهرياً للاستثمار، فعندما يصبح الاستثمار جزءاً من الروتين الشهري، لا يعود فكرة بعيدة أو معقدة.

التوعية أيضاً عنصر أساسي، ولكن بطريقة بسيطة وقريبة من الناس، حيث يمكن للمدارس والجامعات والمراكز المجتمعية أن تنظّم جلسات قصيرة تشرح أساسيات الاستثمار دون لغة تقنية، ويمكن للإعلام ووسائل التواصل أن تعرض قصصاً لأردنيين استخدموا الاستثمار لتحقيق أهداف واقعية مثل تعليم الأبناء أو بناء مدخرات للتقاعد أو دعم شركات وطنية يثقون بها.

ويمكن لبورصة عمّان أن توسّع وجودها خارج العاصمة عبر ورش متنقّلة وشراكات مع البلديات والمؤسسات المحلية، بحيث يصل هذا الوعي إلى كل المحافظات، حين تنتشر المعرفة خارج المراكز الاقتصادية التقليدية، وتتسع المشاركة تلقائياً.

تشجيع الأردنيين على الاستثمار لا يعني دفعهم نحو المخاطرة، بل يعني توسيع وتحسين خياراتهم المالية ومنحهم فرصة المشاركة في نمو الشركات التي يعرفونها ويتعاملون معها يوميا، وهو قبل ذلك خطوة نحو علاقة أعمق بين المواطن واقتصاد بلده، فحين يستثمر الأردنيون في سوقهم المحلية، حتى بخطوات صغيرة ومتدرجة، فإنهم يستثمرون في أنفسهم أيضاً، ويبنون عادات تقوم على التخطيط والثقة والمسؤولية، ويساهمون في اقتصاد يوزّع الفرص بشكل أوسع ويجعل التقدّم شعوراً مشتركاً، ويمنح كل أسرة مساحة في صياغة مستقبل الأردن الذي بنموه تنمو فرص الأبناء بمستقبل أفضل.