وجهات نظر

الأردن .. مواقف ثابتة ومكلفة

الأردن ..  مواقف ثابتة ومكلفة

تواصل الدبلوماسية الأردنية نشاطها وتحصد ثمار زيارات جلالة الملك عبر العالم ويمسك الأردن بمواقفة السياسية الثابتة، إمساك اليد على الجمر ولا يتزحزح، والمطلوب لتخف عنه الضغوط وتفتح له الأبواب، هو أن يتوقف عن الدعوة لحل الدولتين، والمطالبة بدولة فلسطينية وأن يدير الظهر، شأن من داروا، وأن يتخلى عن موقفه الوطني من الشقيقة سوريا التي ظل دائماً معها، منذ نشوب أزمتها قبل حوالي 13 سنة، وقد وضع العدو عيونه عليها ودمّر جيشها ومقدراتها واحتل مساحات هامة من اراضيها وما زال يجثم على الأرض السورية، سواء التي احتلت عام 1967، في هضبة الجولان أو التي احتلت بعد سقوط نظام الأسد، بما في ذلك جبل الشيخ الذي زاره رئيس الوزراء الاسرائيلي ووجه رسائل أنه لن ينسحب من هذا الموقع الاستراتيجي.

نعم هناك مؤامرة على سوريا تستهدف وحدتها وترابها الوطني، وهي مؤامرة ما زالت قائمة وتصنع لها الذرائع وتترك الأطماع أعراضاً قاسية لن يكون آخرها ما جرى في بلدة بيت جن السورية، جنوب غرب دمشق والتي استباحتها قوات الاحتلال وقتلت أكثر من 13سورياً وجرحت أكثر من 30، حيث خسرت اسرائيل خسائر لم تتوقعها حين قرر السوريون أن يدافعوا عن بلدهم وعن وطنهم، وقد تكون بيت جن شرارة المقاومة السورية التي تضع حداً لتمادي الاحتلال، وتقدمه غير الملكف في الأرض السورية ممهداً للمزيد من الاحتلال الذي قد يصل الى دمشق.

ردود الفعل الرسمية السورية والعربية لم تكن بالمستوى المطلوب رغم المخاطر الظاهرة، وهذا الصمت أو التردد سيخلف ظروفاً مستجدة قد تلوث الجرح السوري الذي يتسع، وقد تسمح لقوى عديدة بالدخول اليه أو الاستقطاب فيه كما حدث في لبنان بعد سنوات الغزو والعدوان الاسرائيلي في عام 1978، وفي عام 1982، وغيرها، إذ أن الاحتلال جلب المقاومة والجرح اللبناني توسع حتى وصل الى ما وصل اليه، فكانت المقاومة اللبنانية بتلاوينها رد على الاحتلال وكانت نقضيه. وهي التي طردته من الارض اللبنانية حين عجز قرار مجلس الامن 425

الموقف الأردني من سورياً موقف مبدئي ومكلف ومغضب من جانب اسرائيل والجهات التي تدعمها وتقف الى جانبها وتريد أن تنجز لها لبنان بلا مقاومة وسوريا بلا مقاومة، رغم أن بيت جن في مقاومتها فاجأت الكثيرين. وقد تكون الشرارة الاولى لمرحلة جديدة

الموقف الأردني الواضح من فلسطين وحل الدولتين ورفض ما يجري في الضفة الغربية وشجبه والتعبئة ضده في دول العالم والتحذير من مضاعفاته وكذلك الموقف الأردني من سوريا والتأكيد على وحدة أراضيها وحرية ترابها الوطني.

هذا الموقف غير المهادن، كان له ردود فعل أدركنا بعضها ورددنا عليه وما زال بعضه مكتوماً أو برسم الانفاذ.

جاء الرد الاردني في الرمثا ليحمل رسالة في وجه الذين قالوا ارفعوا أيديكم عن مواقفكم واستديروا وابتعدوا عن (الأزمة)، حل الدولتين واتركوا سوريا وحدها ولا شأن لكم بما يجري.

التحديات كبيرة في وجه الأردن، وهناك صناعة اسرائيلية نشطة لخلق الذرائع وتصديرها وعمل مستمر للتشويش على الموقف الأردني بأدوات مختلفة خارجية، وقد تجد لها صدى في الداخل

لا بد من التنبه له ... فالموقف الأردني السياسي لا يحتمل المزايدة ويحتاج الى رص الصفوف وادراك المخاطر والأخذ بالأسباب وتفويت الفرص على العدو.

لن نتخلى عن فلسطين حتى تقوم دولتها ويستعيد شعبها حقوقه الوطنية المشروعة، ولن نتخلى عن سوريا، لتبقى في وحدة ترابها الوطني ومنع التقسيم، لأن ما يصيب سوريا ينعكس على أمننا الوطني وهذا ما أدركناه منذ بداية الأزمة السورية حين التزمنا مواقف واضحة الى جانب الشعب السوري وتحملنا الكثير الى أن يتمكن السوريون من بناء قدراتهم واسترداد مقدراتهم واعادة التحامهم بأمتهم.

اذن الأردن يقف أمام تحديات وبعضها يلد اخرى طالما بقي العدوان قائماً وسارياً ومعبراً عن الابادة في غزة والتطهير العرقي في الضفة الغربية وطالما بقيت اسرائيل فالتة من العقوبة وفوق القانون الدولي وتمارس دور الدولة المارقة.

الحكومة الحالية الاسرائيلية، وهي حكومة مجرمة تمارس الارهاب بكل معانيه ودلالاته تعمل على تصدير أزمتها لبقاء المتطرفين القتلة في سدة الحكم، ولذا فانها تواصل الحرب وترفض أي فرصة للسلام، وهي الغت مع سوريا اتفاق 1974، في فك الاشتباك وتقوم بعدوانها ضدها يومياً، وتفعل مثل ذلك في لبنان.

اسرائيل تصعد في كل المنطقة وهي تصدر أزمتها وتختفي وراء ذرائعها الواهنة التي فضحها العالم دون ان يفعل الكثير، ولعل ما يلتزمه الأردن من مواقف واضحة وحازمة هو الردّ المناسب الآن على العنجهية والعدوانية الاسرائيلية، وستجد اسرائيل أن أي عدوان لها لن يكون سالكاً وسيرد عليه بكل صلابة حيث يتمسك الأردن بمواقف قيادته وارادة شعبه.