وجهات نظر

"رؤية الأمير الحسين للسردية الأردنية: نحو خطاب إعلامي موحّد وقوي"

"رؤية الأمير الحسين للسردية الأردنية: نحو خطاب إعلامي موحّد وقوي"

تتصدر السردية الأردنية اليوم واجهة الاهتمام في ظل التحولات الإقليمية المتسارعة، وتنامي تأثير الإعلام الرقمي، وما يرافق ذلك من تحديات في تدفق المعلومات ودقة الرسائل. ويبرز هنا الدور الحيوي في بناء سردية وطنية محكمة، قادرة على التعبير عن هوية الدولة وشخصيتها السياسية وترسيخ ثوابتها الوطنية، وتعظيم حضورها على مستوى الساحة الإقليمية والدولية. وقد لخّص سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني جوهر هذه السردية في أكثر من مناسبة، حين أكد أن “الأردنيين قادرون دائمًا على تحويل التحديات إلى فرص، عندما تتوفر لهم المعلومة الدقيقة والإدارة الواعية والمسؤولية المشتركة”. وهي رؤية تعبّر عن إيمان عميق بأن الرواية الوطنية تتطلب إعلامًا محترفًا وواعيًا، قادرًا على صون الحقيقة وتقديم الأردن بالصورة التي تليق بمكانته.

وتستند السردية الأردنية إلى ركائز أصيلة تتمثل في الشرعية الدستورية والهاشمية، والاعتدال السياسي، وصون الأمن والاستقرار، وتعزيز الهوية الوطنية الجامعة، إضافة إلى الإيمان بأن الإنجاز الوطني يتحقق بالمكاشفة والمعرفة والشراكة. هذه الثوابت لم تُبنَ ظرفيًا، بل جاءت نتاجًا لمسيرة طويلة من التجربة والخبرة في التعامل مع أزمات المنطقة وتعقيداتها.

ومع تزايد تأثير منصات التواصل الاجتماعي، بات ضبط الرسالة الإعلامية ضرورة وطنية ملحّة، إذ إن التدفق الهائل للمحتوى وتعدد مصادره وانتشار التضليل الإعلامي يضع السردية الوطنية أمام تحديات كبيرة في حال غياب خطاب موحّد ومنضبط. ومن هنا تأتي أهمية تقديم معلومة دقيقة وموثّقة، والحرص على انسجام الرسائل الرسمية بما يضمن حماية الرواية الوطنية من التشويش.

كما يتطلب إعلام السردية الأردنية الانتقال من رد الفعل إلى الفعل، عبر المبادرة في إبراز قصص النجاح الوطنية، وتفسير السياسات العامة، وطرح الإنجازات بلغة قريبة من الناس، قبل أن تملأ الإشاعات الفراغ وتفرض روايات مشوشة. وفي هذا الإطار، يؤكد سمو ولي العهد أن “الثقة تُبنى على المصارحة، وعلى الدولة أن تكون الأقرب إلى الناس في كل وقت”، وهي دعوة واضحة لتعزيز مسار الشفافية الإعلامية بوصفها ركيزة لبناء الثقة وتحصين المجتمع.

كما يستدعي ضبط الإيقاع الإعلامي تمكين المتحدثين الرسميين بالمعرفة والأدوات والخطاب الموحد، إلى جانب تسخير الإعلام الرقمي لإنتاج محتوى وطني جذاب ومؤثر، خصوصًا لجيل الشباب الذي يشكل النسبة الأكبر من المجتمع، ويعد اليوم المحرك الرئيسي للرأي العام الرقمي.

وحين تُقدَّم السردية الأردنية بلغة مهنية مسؤولة، فإنها تصبح قوة ناعمة تعزز حضور الأردن في العالم، وتدعم جذب الاستثمار، وتحصّن الجبهة الداخلية، وتقدم المملكة بوصفها دولة عقلانية وراسخة في إقليم مضطرب. وهكذا تتحول السردية الوطنية من مجرد خطاب إعلامي إلى مشروع وطني تشترك في صناعته القيادة والدولة والمجتمع، لضمان حماية الهوية الوطنية وترسيخ الرواية التي يريدها الأردنيون لأنفسهم وللأجيال المقبلة.