وجهات نظر

لماذا الاستثمار الأجنبي مهم؟

لماذا الاستثمار الأجنبي مهم؟

يلعب الاستثمار الأجنبي دورًا محوريًا في دعم النمو الاقتصادي في الأردن، وتنبع أهميته من قدرته على زيادة رأس المال المتاح داخل الاقتصاد. زيادة رأس المال المتراكم والمتدفق إلى الأردن تعزز القدرة الإنتاجية، وتتيح اعتماد تقنيات حديثة، وتحسن كفاءة العمليات، ما يؤدي إلى توسع النشاط الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة. وفي ظل اقتصاد يعاني أحيانًا من ارتفاع كلفة التمويل المحلي وصعوبة الوصول إلى الائتمان، يصبح الاستثمار الأجنبي مصدرًا أساسيًا لتمويل التوسع وتحريك النمو. كما أن تدفق رؤوس الأموال الأجنبية يسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي من خلال توفير تمويل مستدام وطويل الأجل للمشاريع التي تحتاج إلى رأسمال كبير، وهو ما لا تستطيع بعض الشركات المحلية توفيره بنفس الكفاءة.

يسهم الاستثمار الأجنبي أيضًا في تحسين الإنتاجية والتنافسية، لأنه يجلب خبرات إدارية وتقنية حديثة ترفع جودة الإنتاج وتعزز قدرة الشركات الأردنية على دخول أسواق جديدة، سواء إقليميًا أو عالميًا. هذا الانتقال للمعرفة والخبرة ليس مجرد نقل تقني، بل يساهم في بناء قدرات بشرية محلية أكثر خبرة وكفاءة، ويحفز رواد الأعمال على تبني أساليب إنتاج وإدارة مبتكرة. بالإضافة إلى ذلك، يخلق الاستثمار الأجنبي وظائف مباشرة وغير مباشرة في القطاعات الإنتاجية والخدمات المساندة، ما يزيد الطلب المحلي ويقوي الدورة الاقتصادية، ويجعل الاقتصاد أكثر ديناميكية وقدرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.

التجربة العملية تظهر أن بعض القطاعات في الأردن تمتلك قدرة أعلى على جذب الاستثمار الأجنبي، خاصة تلك التي تتمتع بمزايا نسبية واضحة. قطاع تكنولوجيا المعلومات يبرز بفضل توفر الكفاءات البشرية وانخفاض كلف التشغيل وسهولة التوسع الإقليمي، وهو قطاع يشهد نموًا سريعًا ويشكل قاعدة للتوسع الصناعي والخدماتي في الاقتصاد الرقمي. قطاع الطاقة المتجددة أيضًا يجذب استثمارات كبيرة، نظرًا لارتفاع معدلات الإشعاع الشمسي وقدرته على توفير طاقة أقل كلفة وأكثر استقرارًا، ما يدعم تنافسية الصناعات الأخرى ويقلل الاعتماد على استيراد الطاقة. كذلك تعد الصناعات الدوائية والخدمات اللوجستية والسياحة العلاجية من القطاعات الجاذبة لرؤوس الأموال الأجنبية، لما تتمتع به من سمعة وجودة وموقع جغرافي مميز، إلى جانب أن هذه القطاعات توفر فرصًا واسعة للابتكار وتطوير المنتجات والخدمات، مما يزيد من القيمة المضافة للاقتصاد الوطني.

تشير رؤية التحديث الاقتصادي إلى أن القطاعات الأكثر قدرة على تحقيق قيمة مضافة عالية وخلق أكبر عدد من فرص العمل هي الصناعة التحويلية، والزراعة والتصنيع الغذائي، والخدمات اللوجستية، وتكنولوجيا المعلومات. هذه القطاعات ترتبط بسلاسل إنتاج متكاملة، تعزز الصادرات، تدعم التحول الرقمي، وتخلق وظائف مباشرة وغير مباشرة في الخدمات الداعمة، مما يجعلها محركًا رئيسيًا للنمو الاقتصادي الشامل. الاستثمار في هذه القطاعات لا يسهم فقط في رفع حجم الإنتاج، بل يساعد أيضًا في تطوير البنية التحتية، وتحسين جودة التعليم والتدريب المهني، وتعزيز البحث العلمي والتطوير.

وفي هذا الإطار، جاء لقاء جلالة الملك عبدالله الثاني مع الفريق الاقتصادي لتأكيد أهمية تبني نهج حكومي موحد في التعامل مع ملف الاستثمار، وتبسيط الإجراءات وتسهيل رحلة المستثمر، إضافة إلى إعداد خطة واضحة وموحدة لتطوير مسار الاستثمار. هذا اللقاء يعكس إدراكًا ملكيًا بأن ضعف التنسيق بين الجهات الحكومية وتعقيد الإجراءات وتعدد المرجعيات شكل عائقًا أمام جذب الاستثمارات وتعظيم أثرها. ومن خلال توجيهات الملك، يظهر بوضوح أن الاستثمار يجب أن يكون أولوية وطنية، تتعامل معها الحكومة كملف واحد بسياسات متناسقة وقرارات سريعة وقدرة تنفيذية عالية، لبناء بيئة استثمارية مستقرة تعزز ثقة المستثمر المحلي والأجنبي وتحوّل الأردن إلى وجهة جاذبة لرؤوس الأموال في القطاعات التي تمتلك فيها ميزات تنافسية.

هكذا يصبح الاستثمار الأجنبي ضرورة ملحة للاقتصاد الأردني، ليس فقط لزيادة رأس المال، بل أيضًا لرفع الإنتاجية وتوسيع قاعدة النشاط الاقتصادي وخلق وظائف مستدامة. ويبقى النجاح مرتبطًا بقدرة الحكومة على تحويل هذه الخطط والتوجيهات الملكية إلى واقع ملموس، بحيث يتحول الاستثمار الأجنبي من هدف نظري إلى أداة فعلية للنمو والازدهار الوطني، ويصبح عاملًا رئيسيًا في تحقيق رؤية الأردن للتحديث الاقتصادي والنمو المستدام.