وجهات نظر

في السردية التاريخية والبعد الأمني

في السردية التاريخية والبعد الأمني


ظل الأردن منذ تأسيسه، ومنذ أطلق الملك عبد الله الأول، النداء للأردنيين حين وصل الى عمان في 2 / 3 / 1921، وقال "والله ما جاء بي الاّ حميتي، ولو أن لي سبعين نفساً لبذلتها في سبيلكم، أطيعوني"، وقد واجه تحديات جسيمة بدأت في إقناع الانجليز الذين احتلوا البلاد بعد هزيمة الأتراك واقاموا فيها معسكرات وعينوا قادة عسكريين منهم، فريد بيك، ثم كلوب باشا، وغيرهم، كما كان المندوب السامي البريطاني ونائبه في عمان (المعتمد البريطاني) ، كل ذلك كان يتحكم في الأوضاع والحياة الأردنية، ودون الدخول في التفاصيل، فقد ناضل الأمير بصبر وحكمة متسلحاً بالارادة والتفاف الأردنيين من وجهاء وشيوخ وزعماء عشائر وقادة اجتماعيين ومن بعض أحرار العرب الذين ناصروه منذ وصل الى معان عام 1920.

وكان قد التقى بستين شخصية من الزعماء الأردنيين في المحطة حين نزلها وخطب فيهم، وهتفوا باسمه لينصرف الى البناء وسط التحديات التي كانت وما زالت ماثلة، أبرزها ما كانت تشهده البلاد من صراعات داخلية وخلافات ومن غزو الوهابية في مجموعات كانت تعبر لتعيث فساداً في البلاد وايضاً الاحتلال الفرنسي في سوريا، بعد سقوط المملكة الفيصلية وعبور الحدود وما ترتب على ذلك من اشكاليات أمنية.

لقد استطاع الملك عبد الله الأول أن يوحد الإرادة الأردنية سياسياً وأمنياً واجتماعياً، فقد انتشر في الأردن قبل وصوله، وفي زمن الإدارة البريطانية، مجموعة من الحكومات المتناثرة التي كان يشجعها الانجليز على قاعدة "فرق تسد"، فكانت حكومات في مراكز المدن، في الكرك والسلط وعجلون واربد، وغيرها، وقد انحلت تلك الحكومات وآلت السلطة للمركز الذي كان في عمان، حيث اقام الملك عبد الله الأول نواة الجيش العربي وبنى قوات أمن ودرك، كانت قليلة عدداً وعتاداً، ولكنه استطاع بها وتوزيعها على البلاد وان يبدأ في حفظ الأمن والاستقرار، وان يبني حكومات متعاقبة، بدأت بحكومة كان رئيسها رشيد طليع، من لبنان وقد تغيرت تلك الحكومات واحدة بعد الأخرى، حيث ظل الأمير يناكف الانجليز ويطالب بالمزيد من الاستقلال وحرية الحكم واستطاع الغاء المعاهدة الأولى وتعديلها ليقيم تقسيمات ادارية في عموم البلاد، وقد سافر الى بريطانيا مدة طويلة لينتزع الاستقلال الذي توج عام 1946 وتغيرت الإمارة الى مملكة.

وقد شهد الملك لقاءات في سبيل الاستقلال الناجز مع المندوب السامي، هربرت صموئيل، في السلط وفي القدس ومع وزير المستعمرات البريطاني، تشرتشل، في القاهرة وانتزع بصبر واصرار استقلال المملكة، وراح يبني خدمات في الصحة والتعليم، حيث لم تكن الاّ ثانوية السلط، كثانوية رسمية، وبدأت المستشفيات وكانت البلاد تعاني العوز والفقر، وقد ذكرت المصادر أنه في سنوات الحرب العالمية عاشت البلاد عوزاً وفقراً، حين كانت شركة ستيل البريطانية تأخذ القمح الأردني لصالح المجهود الحربي في حين عانى الأردنيون كثيراً.

كانت سنوات الثلاثينات وحتى الأربعينيات صعبة، ولكنها كانت تحمل اصرار الأردنيين مع الأمير عبد الله، لمزيد من استقلالها، وقد عانى الأمير وادارته من التدخلات البريطانية ومن مشروع اقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين رغم احتجاجه المستمر لدى الانجليز، واصراره على ان تبقى سوريا في حدودها وأن لا تفصل عنها فلسطين وأن لا يشملها وعد بلفور أو يسمح للمهاجرين اليهود أن يتدفقوا اليها.

وقد بذل الأمير جهوداً كبيرة لاستثناء الأردن من شموله بوعد بلفور، وبقاء الامارة خارج اطار الوعد، كان له ذلك، رغم أن الأطماع الصهيونية كانت تضع في مخططاتها تحديات تمس الأردن وترابه واستقلاله وتهدف الى اقامة استيطان فيه، وناضل الأردنيون عبر احزابهم العديدة ومن خلال مجالسهم التشريعية في سبيل المزيد من الاستقلال، ورغم التحديات شارك الجيش العربي، ببسالة في حرب فلسطين ودخل للدفاع عن القدس وحمايتها وقدم بطولات تحدثت عنها الكتب حين قاتل الجيش العربي ببسالة في الدفاع عن القدس وأسوارها، كما كان الأردن عضواً مؤسساً في الجامعة العربية، وقد لعب دوراً ملموساً في وحدة أهداف الأمة وتضامنها، حيث لم تكن معظم أقطارها مستقلة بل كانت موزعة على الاستعمار متعدد الهويات.

كان الأردن عربياً وما زال، خاض معارك الأمة بشرف وتصدى للتحديات بشرف وما زال وسيظل الى جانب فلسطين والحفاظ على الوصاية الهاشمية في القدس.

لم تنته التحديات، وها هي أحداث الرمثا الأخيرة، وغيرها من قبل شاهدة على محاولات التطرف والتكفيريين المس بالأمن الوطني الأردني، وقد تحولو ا الى معاول هدم، وحصان طروادة. داخل القلعة الأردنية الحصينة بارادة قيادتها وشعبها وجيشها العربي في قواته المسلحة وجهاز مخابراته الذي تصدى وايضاً قوات الامن العام والدرك

الأردن كان وما زال يقظاً وقد دفع ثمن كل هذه التحديات ليبقى عزيزاً مستقلاً لكل الأردنيين.