وجهات نظر

التحديث الإداري .. معركة الوعي والمسؤولية

التحديث الإداري ..  معركة الوعي والمسؤولية

يعد التحديث الإداري متطلبا استراتيجيا تفرضه تحولات العصر المتسارعة، إلى جانب كونه ضمانة أساسية لتعزيز التنافسية والكفاءة في مجال الإدارة الذي يرتبط بشكل وثيق بالقطاعات المختلفة.

وتشكل مواصلة هذه العملية، التي انطلقت بتوجيه ملكي، مفتاحا للعبور من مرحلة التحديات إلى مرحلة تحقيق الرؤى التنموية والاقتصادية الطموحة، فلا يمكن لأي مجتمع أن يزدهر إذا كانت الإجراءات الحكومية معقدة والبيروقراطية متفشية، لذا فإن الأهمية القصوى للتحديث تكمن في رفع جودة الخدمات المقدمة للمواطن والمستثمر في مختلف المجالات والقطاعات، عبر تبسيط الإجراءات وتقليل الوثائق المطلوبة والزمن اللازم لإنجاز المعاملات.

بيد أن الهدف الأبرز من هذا الإصلاح هو التحول الرقمي المتكامل، والانتقال من الرقمنة الجزئية إلى بناء منظومة حكومية إلكترونية متكاملة تضمن الشفافية والوصول السهل للخدمات على مدار الساعة، ويعد هذا التحول الأداة الأكثر فعالية لمحاربة البيروقراطية الرخوة التي تهدر الوقت والموارد، وبالتالي فهو يشكل المسار المباشر نحو تعزيز ثقة المواطن في مؤسسات دولته عبر جعل متلقي الخدمة محور العملية الإدارية وضمان الاستجابة السريعة لملاحظاته.

ولا يمكن الفصل بين نجاح التحديث الإداري والنمو الاقتصادي؛ فالمؤسسات الإدارية الفاعلة تمثل البنية التحتية غير المادية التي يعتمد عليها الاقتصاد والمستثمرون، فيما يعد التحديث ضرورة لتحسين بيئة الأعمال عبر خلق مناخ تنظيمي رشيق يقلل من تكلفة بدء وإدارة الأعمال، مما يرفع من تصنيف الأردن في مؤشرات التنافسية العالمية ويسهل تدفق رؤوس الأموال، كما أن التحول الرقمي والحوكمة الإلكترونية يضيقان الخناق على ممارسات الفساد والواسطة عبر تقليل الاحتكاك المباشر بين الموظف والمراجع وزيادة الشفافية والمساءلة.

من الجانب التقني، يمتد التحديث ليشمل إصلاحا هيكليا وبشريا عميقاً في الجهاز الحكومي، حيث يتطلب المستقبل جهازا إداريا مرنا يعتمد على إدارة الكفاءات بدلا من نظام الأقدمية، ويستثمر في تدريب الموظفين على المهارات الرقمية والقيادية، كما أن إعادة تنظيم ودمج المؤسسات الحكومية المتداخلة أمر حتمي لـتخفيف الترهل البيروقراطي وتجنب ازدواجية المهام.

في جوهر الأمر، تعد عملية التحديث الإداري بكل مساراتها، العمود الذي تستند إليه الدولة كي تحافظ على دوام مؤسساتها وجودة عملها وخدماتها وقدرتها على إنتاج رفاه اقتصادي عادل يرفع من شأن المجتمع ويحمي استقراره، هذا المسار يحتاج إلى إرادة سياسية صلبة لا تهتز (وهي متوفرة وبقوة)، وإسناد شعبي واع يدرك أن التراجع يفتح أبوابا نحن في غنى عنها، وأن التقدم والبناء المتدرج المتواصل هو الطريق الوحيد لصون المستقبل وصياغته بثقة ومسؤولية.