وجهات نظر

الكلمة، حين تتحول إلى سلاح ضد الوطن(2-2)

الكلمة، حين تتحول إلى سلاح ضد الوطن(2-2)


تتداخل هذه الصراعات مع الحروب الإعلامية التي تشنّها أطراف خارجية، إذ تدرك أن تفكيك المجتمع من الداخل أسهل من مواجهته من الخارج. فتُطلق آلاف الحسابات الوهمية لتضخيم الأحداث الصغيرة وتشويه الرموز الوطنية وزرع الشك بين المواطن ودولته. والنتيجة أن المواطن البسيط يُستدرج إلى لعبة لا يدرك أنه أحد أدواتها.

لكن لا يمكننا أيضًا أن نعمم الاتهام، فهناك أشخاص يسيئون من دون قصد، بدافع الجهل أو السذاجة أو سوء الفهم. هؤلاء يحتاجون إلى التوعية لا إلى الإدانة، لأن الحل لا يكون في التجاهل، بل في رفع الوعي الجمعي، وتعليم الناس كيف يميّزون بين المعلومة والدعاية، بين النقد الحقيقي والافتراء الموجَّه.

المنصات بدورها تتحمل جزءًا من المسؤولية. فهي تسمح أحيانًا بانتشار الأكاذيب أكثر مما تتيح للمعلومة الدقيقة أن تصل. عليها أن تطوّر أدواتها لحذف المحتوى المضلل وتعقب الحسابات الوهمية، لأن ما يجري لم يعد مجرد تفاعل عفوي، بل صناعة متقنة للرأي، وأحيانًا سلاح لتدمير المجتمعات.

المشكلة ليست فقط في من يكتب، بل في من يصفق له أيضًا. فالقارئ الواعي لا يحترم من يشتم بلده، حتى لو ضغط إعجابًا، أو ترك تعليقًا مجاملاً، لأنه في داخله يشعر بالاشمئزاز من شخص يسيء إلى أهله ووطنه ليكسب لحظة شهرة أو إعجاب.

إن الوطن ليس فكرة عابرة ولا شعارًا يرفع وقت الأزمات. الوطن هو الذاكرة، والكرامة، والانتماء. من حق كل إنسان أن ينتقد، لكن ليس من حق أحد أن يحوّل النقد إلى خيانة أو الحريّة إلى فوضى. من يحب وطنه لا يعرّيه أمام الأعداء، بل يرمّمه بصمتٍ وصدق، ويدافع عنه بالكلمة النزيهة والفعل الشريف. فالأوطان لا تسقط حين تضعف جدرانها، بل حين يسقط وعي أبنائها.

هناك أيضًا من ليس لديهم أجندة واضحة: مجرد أفراد يسهمون في البلبلة بدافع فراغ نفسي أو تحد أو حتى خطأ ساذج. لذلك من الخطأ أن نختزل كل حالة في كونها مؤامرة—لا بد من تشخيص القضية حالة بحالة.

أنماط الحسابات الوهمية التي شاهدناها:

• حسابات جديدة المنشأ، بدون أرشيف حقيقي، عدد متابِعين منخفض، لكنها تنتشر بسرعة عبر إعادة التغريد.

• ملفات شخصية بصور مسروقة، صورة شخص آخر أو صورة رمزية من الإنترنت.

• أسماء غامضة أو رموز، وصفحات تبدو وكأنها شبكات بوت.

• تعليقات مكررة بالصياغة نفسها على منشورات متعددة نمط الآلي.

• صفحات تُعيد تغريد مواد من حسابات خارجية محددة بالتوقيت نفسه، تنسيق منسق يظهر كحملة.

كيف يجب أن نواجه هذا؟ — حلول عملية

1. التعليم الرقمي والوعي: برامج توعية للمواطنين عن كيفية التحقق من المصادر (تحقق من تاريخ إنشاء الحساب، تحقق من الصور عبر البحث العكسي، لا تنشر قبل التحقق.

2. قوائم تدقيق سريعة قبل المشاركة: من صنع المنشور؟ هل الحساب موثّق؟ هل هناك مصدر رسمي؟ هل الصورة مفصّلة أم مقطوعة؟

3. مقاربة قانونية: تشجيع قوانين تحظر التحريض والتشهير عبر الإنترنت مع حماية حرية التعبير، وتفعيل آليات سريعة للبلاغات ومعاقبة الحسابات الوهمية والمنشورات المضللة.

4. دور المنصات: على مواقع التواصل أن تكون مسؤولة — نظام تحقق أفضل، إجراءات لإزالة المحتوى المفبرك بسرعة، شفافية عن مصادر الحملات المدفوعة.

5. المجتمع المحلي والديني والقبلي: إجراء حوارات مجتمعية لتفكيك الروايات الطائفية والقبلية وتعزيز خطاب التعايش.

6. الرد الإعلامي المنهجي: مؤسسات الدولة والمجتمع المدني يجب أن تجهز ردودًا سريعة مبنية على حقائق، وليس مواجهة بكلمات عاطفية تزيد الاحتقان.

7. قوائم أسماء وهمية ونماذج: توثيق عينات من الحسابات الوهمية لأنماطها يساعد على رصد الحملات القادمة.

نتائج وسيناريوهات محتملة إن لم نتحرك:

• فقدان الثقة العامّة بالمؤسسات، وتراجع المشاركة المدنية.

• تصاعد العنف المجتمعي على أساس شائعات.

• استغلال خارجي يؤدي إلى تدخلات سياسية أو اقتصادية.

نحن لا ننكر وجود مشاكل، لكن نشر الكلام بشكل عشوائي أو تشويه الأشخاص ليس حلًا — هو الجزء الذي يسهِم في انهيار المجتمع. الحل يبدأ بالوعي، بالمسؤولية، وببناء مؤسسات قوية قادرة على الردّ بالحقائق.

الوطن لا يحتاج لمن يبيعه بشهرة أو إعجاب أو حتى بالمال، ولا لمن يجلده بالحقد، بل لمن يراه بعين الحبّ والعدل.

ومن يحب وطنه حقًا، لا يكون صوته صراخًا ولا قلمه سلاحًا ضد وطنه، بل ضوءًا يبدد الظلام، وفكرًا يُصلح، لا يفضح وموقف ثابت لا يغيره مال ولا منصب موعود من أصحاب الأجندات المخربة فلا خير بمن لا يحب وطنه، ويغار على سمعته بين الناس وحدها مني نصيحة تأكد لا أحد يحترم من يذم بوطنه أبدا، فسيبقى صغيرا منكرا بأعين الناس..