وجهات نظر

ترامب ينوي إقامة دولة "مسيحية ثالثة" في القدس

ترامب ينوي إقامة دولة "مسيحية ثالثة" في القدس

جاء المشروع الأمريكي لحل القضية الفلسطينية على شكل قرار أممي، مررته الجمعية العامة للأمم المتحدة، أواخر عام 1947، سُمي بـ "قرار تقسيم فلسطين رقم (181)"، المعروف حالياً بـ "حل الدولتين"، والذي يقضي بإقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة يهودية، و"تدويل القدس" عن طريق جعلها كياناً منفصلاً عن الدولتين.

ورغم مرور ثمانية عقود تقريباً على طرحها مشروع التقسيم كحل للقضية الفلسطينية، كشفت الولايات المتحدة مؤخراً عن نيتها إقامة "دولة مسيحية ثالثة" بدلاً من فكرة "تدويل القدس"، الواردة في قرار التقسيم.

"ستيف بانون" مرتبط فكرياً بترامب:
جاء الكشف عن نية أمريكا إقامة "دولة مسيحية ثالثة"، في فلسطين، على لسان "ستيف بانون"، المساعد السابق للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في دورته الرئاسية الأولى، الذي شغل منصب كبير مستشاري الرئيس للشؤون الاستراتيجية، إلى أن جرى عزله لاحقاً. وما زال "بانون" مؤيداً للرئيس ترامب، ومرتبطاً به فكرياً.

إذ ينتمي "بانون" لليمين الشعبوي الأمريكي، الذي يروج للأفكار القومية التي تعادي وتتحدى الدولة العميقة، والمؤسسات الحاكمة، والنخب السياسية والاقتصادية التقليدية. ويُعرف عنه أنه شخصية مؤثرة في حركة "اجعل أمريكا عظيمة مجدداً"، التي أسسها الرئيس ترامب، في حملته الرئاسية الأولى عام 2016.

"دولة مسيحية ثالثة" في القدس:
وجاء كشف "ستيف بانون" عن نية ترامب "إقامة دولة مسيحية ثالثة" في القدس في معرض حديثه عن تقاطر الوفود الامريكية، في الأونة الأخيرة، إلى إسرائيل، بعد اتفاق غزة، من مبعوثين، ووزير خارجية، ونائب الرئيس، وما نقلوه من رسائل لإسرائيل. ويقول "بانون" إن وزير الخارجية، ماركو روبيو، أبلغ الإسرائيليين عن نية بلاده بالقول: "الآن علينا أن نذهب إلى حل الدول الثلاث".

مضيفاً أنه يتوجب على "إسرائيل أن تتوقف عن بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وأن الضفة لن يتم ضمها من قبل إسرائيل على الإطلاق. وأن أمريكا لا تهتم بما يقوله الكنيست الإسرائيلي، في هذا الصدد".

وعلق "بانون" على طلب بلاده بالقول: "إحدى هذه الدول (في فلسطين) التي يجب علينا أن ننتظرها هي "دولة مسيحية في القدس". نحن بحاجة لدولة مسيحية في المدينة المقدسة. إن مشروع إسرائيل الكبرى لنتنياهو انفجر في وجهه، على يد (ترامب). والآن لديك ما لديك".

ويمكن قراءة معنى الجملة الأخيرة لـ "بانون" أنها تحمل في طياتها معنى للضغط الشديد على إسرائيل: "أنه يجب عليها تقدير الظروف الحالية والرضا بها. فهذه الظروف هي عواقب اختياراتها التي أصبحت واقعاً يجب التعامل معه".

استبدال "تدويل القدس" بـ "دولة مسيحية ثالثة":
في الحقيقة أن هذا اليميني الأمريكي المتطرف، "بانون"، لم يأت بجديد بطرحه فكرة "دولة مسيحية ثالثة" في القدس، فهي نفس فكرة "التدويل" التي وردت في قرار التقسيم (181)، الذي أصبح منذ صدوره، عام 1947، هو الأساس الذي تستند إليه السياسة الأمريكية الخارجية المتعلقة بالشرق الأوسط، لحل القضية الفلسطينية. لكنها لم تفلح في تطبيقه على أرض الواقع خلال العقود الثمانية الماضية، رغم محاولات واشنطن الحثيثة.

بريطانيا عارضت قرار تقسيم فلسطين:
وعلى الجانب الآخر من المعادلة، كانت بريطانيا ترفض المشروع الأمريكي، المتمثل بقرار تقسيم فلسطين وحل الدولتين، حيث امتنعت عن التصويت، ولم تصوت لصالح القرار، لأنه كان يناقض خططها ومصالحها كدولة انتداب في فلسطين آنذاك. لذلك سارعت بريطانيا إلى ترتيب انسحاب قواتها من فلسطين، بعد أشهرٍ قليلة، حتى لا تتيح أي فرصةٍ لامكانية تنفيذ الحل الأمريكي. وقد سلمت بريطانيا نظام حكمٍ جاهزٍ إلى العصابات اليهودية، والتي أعلنت بدورها على لسان زعيمها "ديفيد بن غوريون" رسمياً قيام ما يسمى بـ "دولة إسرائيل"، في منتصف شهر مايو آيار 1948. فبذلك أحبط الإنجليز مشروع "حل الدولتين" الأمريكي في مهده، وأوجدوا مشكلة عالمية ما زالت قائمة لغاية الآن.

مشروع بريطانيا بحل "الدولة العلمانية" وجد طريقه إلى ميثاق منظمة التحرير:
هذا بينما كان مشروع بريطانيا، المتمثل بـ "الدولة العلمانية"، ما زال مطروحاً على بساط البحث، وهو الحل الذي وجد طريقه إلى ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية، منذ نشأتها، عام 1964. وبذلك تبنت المنظمات الفدائية الفلسطينية هذا الحل، كما أرادت بريطانيا، وأصبح هدفها الأمثل.

وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الدول العربية، ومعها أهل فلسطين، رفضوا مجتمعين قرار تقسيم فلسطين عام 1947.

وقد بقي ميثاق منظمة التحرير يطالب بدولة علمانية إلى أن تم شطب هذا البند، بناءً على طلب "إدارة كلينتون"، بعد "اتفاقية أُوسلو". إذ اتخذ المجلس الوطني الفلسطيني، في غزة، قراراً بتاريخ 14/12/1998، ألغى بموجبه مطالبة المنظمة بحل الدولة العلمانية، بحضور شخصي من الرئيس الأمريكي الأسبق، "بيل كلينتون"، نظراً لأهمية الموضوع بالنسبة له، لأنه يعكس الصراع الأنجلو – أمريكي، على بلاد العرب والمسلمين في هذه المنطقة.

وقد تخيل الأمريكيون أن إلغاء المنظمة بند "الدولة العلمانية"، سيفتح لهم الباب على مصراعيه، لتطبيق "حل الدولتين". لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. فإسرائيل، التي أوجدتها بريطانيا، تشكل حائط الصد الأقوى في رفض وعرقلة "حل الدولتين" الأمريكي، وتخريب أي مسعى يقود إليه. لذلك لم تتمكن الولايات المتحدة من فرض إرادتها، لغاية الآن، ولن تتمكن، إلا بحروب عالمية، تغير موازين القوى.

الولايات المتحدة دفعت رشاوى لتمرير قرار التقسيم:
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الولايات المتحدة قد دفعت رشاوى، واشترت ذمم مندوبي الدول، كي يصوتوا لصالح قرار تقسيم فلسطين (181)، كما تؤكد كافة المصادر، وأهمها مذكرات الرئيس الأمريكي آنذاك، "هاري ترومان"، الذي أورد كيف تم دفع الرشاوى للدول وللمندوبين كي يصوتوا لصالح قرار التقسيم.

إذ صوتت 33 دولة، لصالح القرار، فيما عارضته 13 دولة، وامتنعت 10 دول عن التصويت، كانت من بينها بريطانيا، دولة الانتداب على فلسطين.

الخلاصة: السيادة على فلسطين حق للعرب والمسلمين:
بالنسبة للعرب والمسلمين، بما فيهم أهل فلسطين، فليس في وجدانهم حل يرضيهم سوى أن تعود إليهم السيادة على فلسطين. أما ما تطرحه الدول الاستعمارية من حلول فلا ترضيهم قطعاً، ولن ترضيهم. بل إنها أصبحت لا تُرضي دول العالم قاطبة، التي صدحت أصوات شعوبها في أرجاء المعمورة بملء الأفواه: "فلسطين حرة ... من النهر الى البحر". فهذه إرادة جماهير العالم مجتمعة، ولا بد أن تتحق يوماً ما، طال الزمان أم قصُر.